وقد أطلقوا على هذه الثياب (زي الرهبان) , واستشهدوا بحديث معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن عيسى كان يلبس ثياب الصوف).
وقال جولدزيهر:
(وقد حاكى هؤلاء الزهاد المسلمون وعبادهم نساك النصارى ورهبانهم , فارتدوا الصوف الخشن).
هذا وبمثل هذا قال الدكتور قاسم غني:
(إن ارتداء الملابس الصوفية أو التصوف الذي نشأ عنه كلمة الصوفية كما تقدم كان من عادات الرهبان المسيحيين , ثم صار فيما بعد شعارا للزهد عند الصوفية. والدلق الذي ورد ذكره في أشعار الصوفية وكتبهم استعمل في معنى لباس الصوفية في كل مكان. أي الخرقة التي كانوا يرتدونها فوق جميع الملابس والظاهر أنها كانت من صوف. والدلق إما أن يكون من قطعة واحدة أو مرقعا , ويسمى بالدلق المرقع في هذه الحال , وإذا كان من ألوان مختلفة يسمى حينئذ (الدلق الملمع) والدلق عند صوفية الإسلام سواء كان لونه أزرق أو كان أسود يسمى دائما: (بالدلق الأزرق) وخرقة الرهبان التي كانت على ما يظهر بيضاء في بادئ الأمر صارت بعد ذلك سوداء وزمرة (السوكواران) أي المفجوعون , الذين يتكلم عنهم الفردوسي في الشاهنامة ليسوا إلا أساقفة المناظرة المسيحيين ممن لجأوا إلى إيران في القرن الثالث الميلادي وهم الذين كانوا يلبسون ملابس الصوف الخشنة على أجسامهم كي يكون ذلك نوعا من التقشف والأخششان , فكان إصطلاح (صوفي) و (وصوفية) الذي هو بالفارسية (بشمينه بوش) أي لابس الصوف وكان يطلق على رجال المسيحيين ونسائهم).
ولا بأس من إيراد تعليقة ذكرت تحت هذه العبارة:
(ويقول ياقوت في كتاب (معجم البلدان) في حواشي (دير العذارى): وقال أبو الفرج:ودير العذارى بسر من رأى إلى الآن موجود يسكنه الرواهب. وحدث الجاحظ في كتاب (المعلمين) قال: حدثني ابن الفرج الثعلبي: أن فتيانا من بني ملاص من ثعلبة أرادوا القطع على مال يمر بهم قرب دير العذارى فجاءهم من أخبرهم أن السلطان قد علم بهم وأن الخيل قد أقبلت تريدهم , فاستخفوا في دير العذارى , فلما صاروا فيه سمعوا وقع حوافر الخيل التي تطلبهم راجعة , فأمنوا ثم قال بعضهم لبعض: ما لذي يمنعكم أن تأخذوا بالقس فتشدوا وثاقه ثم يخلوا كل واحد منكم بهذه الأبكار , فإذا طلع الفجر تفرقنا في البلاد , وكنا جماعة بعدد الأبكار اللواتي كن أبكارا في حسابنا. ففعلنا ما اجتمعنا عليه , فوجدناهن جميعا ثيبات قد فرغ منهن القس قبلنا .. فقال بعضنا:
ودير العذارى فضوح لهن وعند القسوس حديث عجيب
خلونا بعشرين صوفية نيك الرواهب أمر غريب
إذا هن يرهزن رهز الظراف وباب المدينة فج رحيب
ويبدو من تعبير (الصوفية) في هذا الشعر أن المقصود منه الراهبات المسيحيات).
ولذلك خالف علماء الأمة وفقهاؤها لبسه.
فلقد نقل الإمام ابن تيمية عن أبي الشيخ الأصبهاني عن إسناده أن ابن سيرين بلغه أن قوما يفضلون لباس الصوف فقال:
(إن قوما يتخيرون الصوف يقولون إنهم متشبهون بعيسى بن مريم , وهدي نبينا أحب إلينا , وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس القطن وغيره).
كما نقل ابن الجوزي عن أحمد بن أبي الجواري أنه قال: قال لي سليمان بن أبي سليمان: (أي شيء أرادوا بلباس الصوف؟
قلت: التواضع.
قال: ما يتكبر أحد إلا إذا لبس الصوف.
ونقل عن سفيان الثوري أنه قال لرجل عليه صوف: لباسك هذا بدعة.
كما روى عن الحسن بن الربيع أنه قال:
سمعت عبد الله بن المبارك يقول لرجل رأى عليه صوفا مشهورا: أكره هذا , أكره هذا.
وروي عن بشر بن الحارث أنه سئل عن لبس الصوف.
فشق عليه , وتبين الكراهة في وجهه , ثم قال: لبس الخز والمعصفر أحب إلي من لبس الصوف في الأمصار.
وروي عن أبي سليمان الداراني أنه قال لرجل لبس الصوف: إنك قد أظهرت آلة الزاهدين , فماذا أورثك هذا الصوف.
كما رو يعن النضر بن شميل أنه قال لبعض الصوفية:
تبيع جبتك الصوف؟
فقال: إذا باع الصياد شبكته بأي شيء يصطاد).
هذا ونقل عن غيره مثل هذا.
هذا من ناحية الملابس.
وأما اتخاذهم الخانقاوات والتكايا والزوايا , وانعزالهم عن الدنيا فلم تكن إلا مأخوذة من الرهبنة المسيحية أيضا كما ذكرنا فيما مر نقلا عن الجامي في نفحاته أن أول خانقاه بنيت هي التي بناها أمير مسيحي من الرملة في الشام.
¥