تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كان يلبس لباسا طويلا من الصوف كفعل الرهبان , ويرى أنه كان يقول بالحلول والإتحاد مثل النصارى , غير أن النصارى أضافوا الحلول والاتحاد إلى عيسى عليه السلام وأضافهما هو إلى نفسه , وكان مترددا بين هاتين الدعوتين , ولم يعلم على أيهما استقر في النهاية – ونقل عن كتاب أصول الديانات أنه -: كان أمويا وجبريا في الظاهر وباطنيا ودهريا في الباطن , وكان مراده من وضع هذا المذهب أن يثير الاضطراب في الإسلام).

ومن الغرائب أن شخصا آخر وهو ذو النون المصري الذي يقال عنه: (أنه أول من عرف التوحيد بالمعنى الصوفي).

وهو: (رأس هذه الطائفة , فالكل قد أخذ عنه وأنتسب إليه , وقد كان المشائخ قبله ولكنه أول من فسر الإرشادات الصوفية وتكلم في هذا الطريق).

وأنه: (هو أول من تكلم في بلده في ترتيب الأحوال ومقامات أهل الولاية).

كما أثر عنه بأنه (أول من وضع تعريفات للوجد والسماع).

وعلى ذلك قال بحق , الكاتب الإنجليزي المشهور عن الصوفية:

(هو أحق رجال الصوفية على الإطلاق بأن يطلق عليه اسم واضع التصوف , وقد اعترف له بالفضل في هذا الميدان كتّاب التراجم المؤرخون من المسلمين).

فهذا هو الشخص الآخر من واضعي التصوف , وكان أيضا متهما بالزندقة والاشتغال بالسحر والطلسمات كما نقل الإمام الذهبي عن يوسف بن أحمد البغدادي أنه قال:

(كان أهل ناحيته يسمونه بالزنديق).

ونقل أيضا عن السلمي أنه قال:

(ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال , ومقامات الأولياء , فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم , وهجره علماء مصر. وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف , وهجروه حتى رموه بالزندقة. فقال أخوه: أنهم يقولون: إنك زنديق. فقال:

ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة ووضعي كفى تحت خدي وتذكاري).

وقال الإمام الذهبي:

(وقل ما روى الحديث ولا كان يتقنه , وقال الدارقطني: روى عن مالك أحاديث فيها نظر).

والصوفي المشهور فريد الدين العطار يكتب في ترجمته أنه (كان من الملامتية لأنه أخفى تقواه بظهوره في الناس بالاستخفاف بأمور الشرع , ولذلك عده المصريون زنديقا , ولو أنهم اعترفوا له بالولاية بعد موته).

وقد ذكره ابن النديم من الملمين بعلم الكيمياء , والعارفين به والكاتبين فيه.

ويذكره القفطي بقوله:

(ذو النون بن إبراهيم الإخميمي المصري , من طبقة جابر بن حيان في انتحال صناعة الكيمياء , وتقلد علم الباطن والإشراف على كثير من علوم الفلسفة. وكان كثير الملازمة لبر با بلدة إخميم , فإنها بيت من بيوت الحكمة القديمة , وفيها التصاوير العجيبة والمثالات الغريبة التي تزيد المؤمن إيمانا , والكافر طغيانا. ويقال: أنه فتح عليه علم ما فيها بطريق الولاية. وكانت له كرامات).

وكذلك المسعودي يذكر أنه (جمع معلوماته عن ذي النون من أهل إخميم عندما زار هذا البلد. وهو يروي عنهم أن أبا الفيض ذا النون المصري الإخميمي الزاهد كان حكيما سلك طريقا خاصا , وأتخذ في الدين سيرة خاصة , وكان من المعنيين بحل رموز البرابي في إخميم , كثير التطواف بها. وأنه وفق إلى حل كثير من الصور والنقوش المرسومة عليها , ثم يذكر المسعودي ترجمة لطائفة من هذه النقوش التي ادعى ذو النون أنه قرأها وحلها).

ثم وبعد ذكر هذه العبارات كتب نيكلسون ما خلاصته: (أن ذا النون كان كثير العكوف على دراسة النقوش البصرية المكتوبة على المعابد وحل رموزها , كما كانت مصر القديمة في نظر المسلمين مهد علوم الكيمياء والسحر وعلوم الأسرار , وكان هو من أصحاب الكيمياء والسحر مع أن الإسلام حرم السحر , ولذلك ستره بلباس الكرامات , ومن هنا بدا تأثير السحر في التصوف , ويؤيد ذلك استخدام ذي النون الأدعية السحرية واستعماله البخور لذلك كما ذكره القشيري في رسالته).

فهذا هو الرجل الآخر من الثلاثة الأول الذين يقال عنهم بأنهم أول من لقبوا بهذا اللقب , ووصفوا بهذا الوصف , وعرفوا بهذا الرسم أو عرّفوا هذا الطريق إلى الناس بادئ ذي بدء.

سَلاَسِلُ التّصَوّف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير