والطبقة الثالثة: منّ الله عليهم بالكفاية فهم معصومون عن الخواطر الفاسدة وحركات أهل الفضيلة).
ويزيل السهروردي عبد القاهر في عوارفه بعض الحجاب عن ذلك السرّ الذي طالما أخفاه على تشيّعهم , ومصدر تصوفهم , ومنبع أفكارهم , فيقول:
(الشيخ للمريدين أمين الإلهام , كما أن جبريل أمين الوحي , فكما لا يخون جبريل في الوحي , لا يخون الشيخ في الإلهام , وكما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فالشيخ مقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا , لا يتكلم بهوى النفس).
لأن الشيخ (والعرف معدن علم الله , مرضع أرواح الطالبين بنفسه , صحف أسرار ربّ العالمين بروحه , العارف وأن كان بدويا وحشيا فهو معدن العقل والعلم).
وهم معصومون (لأنهم أطفال في حجر الحق).
(كالأب الشفيق).
أو (كولد اللبوة في حجرها).
و (أنهم قائمون بالله , قد تولى الله أمرهم , فإذا ظهرت منهم طاعة , لم يرجوا عليها ثوابا , لأنهم لم يرو أنفسهم محلا لها , وإن ظهرت منهم زلّة فالدية على العاقلة , لم يشاهدوا غيره في الشدة والرخاء , قيامهم بالله , ونظرهم إليه , وخوفهم هيبته , ورجاؤهم الأنس به).
و (أنهم لا يعرفون إبليس والشيطان).
(وأما خلق الله أهون عليهم من إبليس , ولولا أن الله أمرهم أن يتعوذوا منه ما تعوذوا منه).
ولربما استعملوا الحفظ على أوليائهم ومتصوفيهم , بدل العصمة الشيعية لأئمتهم , لكن في نفس المعنى والمقصود , فقالوا:
(ومن شرط الوليّ أن يكون محفوظا , كما أن من شرط النبي أن يكون معصوما).
لأن الحق يتولى تصريفه (فيصرّفه في وظائفه وموافقاته , فيكون محفوظا فيما لله عليه , مأخوذا عما له وعن جميع المخالفات , فلا يكون له إليها سبيل وهو العصمة).
و (أن تصير الأشياء كلها له واحدة , فتكون كل حركاته في موافقات الحق دون مخالفاته).
و (لطائف الله في عصمة أنبيائه وحفظ أوليائه أكثر من أن تقع تحت الإحصاء والعدّ).
وبمثل ذلك قال القشيري:
(الوليّ له معنيان: أحدهما: فعيل بمعنى مفعول , وهو من يتولى الله سبحانه وتعالى أمره , قال تعالى ك {وهو يتولى الصالحين} , فلا يكله إلى نفسه لحظة , بل يتولى الحق سبحانه رعايته.
والثاني: فعيل مبالغة من الفاعل , وهو الذي يتولى عبادة الله وطاعته , فعبادته تجري على التوالي , من غير أن يتخللها عصيان.
وكلا الوصفين واجب حتى يكون الوليّ وليا: يجب قيامه بحقوق الله تعالى على الاستقصاء والاستيفاء , ودوام حفظ الله تعالى إياه في السراء والضراء).
وقال أيضا:
(فإن قيل: ما معنى الوليّ؟
قيل: يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون فعيلا مبالغة من الفاعل , كالعليم والقدير وغيره فيكون معناه: من توالت طاعاته من غير تخلل معصية.
ويجوز أن يكون فعيلا بمعنى مفعول , كقتيل بمعنى مقتول , وجريح بمعنى مجروح , وهو الذي يتولى الحق سبحانه , حفظه وحراسته على الادامة والتوالي , فلا يخلق له الخذلان الذي هو قدرة العصيان , وإنما يديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة , قال الله تعالى: {وهو يتولى الصالحين}).
وبمثل ذلك قال الحكيم الترمذي تحت عنوان (وليّ حق الله ووليّ الله):
(فهؤلاء كلهم أولياء حقوق الله , وهم أولياء الله يصيرون إلى الله تعالى في مراتبهم , فيحلون بها ويتنسمون روح القرب , ويعيشون في فسحة التوحيد والخروج عن رقّ النفس , قد لزموا المراتب , فلا يشتغلون بشيء إلا بما أذن لهم فيه من الأعمال. فإذا صرفهم الله من المرتبة إلى عمل أبدانهم حرسهم , فيمضون مع الحرس في تلك الأعمال , ثم ينقلبون إلى مراتبهم , هذا دأبهم).
وعلق ابن عجيبة على قول الشبلي: (الصوفية أطفال في حجر الحق تعالى) , علق عليه بقوله:
(يعني أنه يتولى حفظهم وتدبيرهم على ما فيه صلاحهم ولا يكلهم إلى أنفسهم).
وظاهر أن من يكون هذا شأنه لا يكون إلا معصوما محضا , لذلك أن الصوفية حينما يستعملون الحفظ , لا يريدون من وراء ذلك إلا العصمة , ولذلك ذكر الهجويري كلتا اللفظتين في معنى واحد , بصورة الألفاظ المترادفة حيث حكى عن الجنيد أنه قال ك
¥