" و كذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري و مسلما، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقي بالقبول، و كذلك في عصرهما و كذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما، و وافقوهما على تصحيح ما صححاه، إلا مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثا غالبها في مسلم، أنتقدها عليهما طائفة من الحفاظ، وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، و قد أنتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة.
و الصحيح التفصيل فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، و حديث خلق الله البرية يوم السبت، و حديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات و أكثر.
و فيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد، و لا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا و في كتابه ما يبين أنه منتقد.
و في الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، و مع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. و الكتابان سبعة آلاف حديث و كسر.
و المقصود أن أحاديثهما أنتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، و رواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية و لا بتصحيح، و الله سبحانه و تعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين "
منهاج السنة النبوية ج: 7 ص: 215
وأضحك الشنقيطي ـ أضحك الله سنه ـ طلبة علم الحديث المبتدئين فيه بالمثال الذي ضربه من صحيح البخاري، فقد أورد حديثا خارجا عن شرط الصحيح عند البخاري؛ لأن البخاري إنما رواه معلقا لا مسندا، وأورده مبينا علته وكيف دخل على راويه حديث في حديث، ولما تكلم عليه أهل العلم كابن قيم الجوزية لم يعزه للبخاري لعلمه أنه خارج عن شرطه، وكذلك لم يعزه إليه الذهبي، بل عزاه لمسلم وهما منه رحمه الله.
فقال الشنقيطي: " وأكتفي هنا ببعض أمثلة منها:
حديث أبي الزبير في صحيح البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار البيت ليلا " قال الذهبي: " هو عندي منقطع" وقال ابن القيم: " هذا الحديث غلط بين، خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم "
والحديث كما ذكر إنما رواه البخاري تعليقا مشيرا إلى علته، فهو مثال خارج موضوع البحث.
قال الإمام البخاري:
????" باب الزيارة يوم النحر وقال أبو الزبير عن عائشة وبن عباس رضي الله عنهم أخر النبي صلى الله عليه وسلم الزيارة إلى الليل ويذكر عن أبي حسان عن بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت أيام منى "
صحيح البخاري ج 2 ص 617
ولأن الحديث ليس على شرط البخاري لم يعزه الإمام ابن القيم له عند الكلام عليه. فقال:
" والطائفة الثالثة: الذين قالوا: أخر طواف الزيارة إلى الليل، وهم طاووس، ومجاهد، وعروة، ففي " سنن أبي داود"، والنسائي، وابن ماجه، من حديث أبي الزبير المكي، عن عائشة وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم، أخر طوافه يوم النحر إلى الليل. وفي لفظ: طواف الزيارة، قال الترمذي حديث حسن.
وهذا الحديث غلط بين خلاف المعلوم من فعله صلى الله عليه وسلم الذي لا يشك فيه أهل العلم بحجته صلى الله عيه وسلم، فنحن نذكر كلام الناس فيه، قال الترمذي في كتاب "العلل" له: سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث، وقلت له: أسمع أبو الزبير من عائشة وابن عباس؟ قال أما من ابن عباس، فنعم، وفي سماعه من عائشة نظر ".
زاد المعاد ج: 2 ص: 254
والمثالين اللذين ضرب الشنقيطي من صحيح مسلم يدلان على بعده الشديد عن هذا العلم وجهله المطبق به، فحديث صلاة الكسوف ثمان ركعات إنما أورده الإمام مسلم ليشرح علته بعد أن أخرج الوجه الصحيح لروايته، وفاء بما وعد به في مقدمته.
وكذلك حديث " لا تذبح إلا مسنة " حديث صحيح وإنما أعله الشيخ الألباني رحمه الله بعنعنة أبي الزبير.
فقال:
" الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة
ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس، و قد عنعنه، و من المقرر في " علم المصطلح " أن
المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، و هذا هو الذي صنعه أبو الزبير
هنا، فعنعن، و لم يصرح، و لذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها
¥