الكذب في الحديث، وقد قاوم العلماء هذه الحركة الوضعية، ووضعوا الأسس العلمية لفحص الحديث ومعرفة الصحيح من السقيم، ومن بين هذه الأسس المطالبة بالإسناد المتصل الخالي من العلة والشذوذ حتى ينتهي الأمر إلى صاحب المتن، ومن بين تلك الأصول عرض الرواة على علم الجرح والتعديل، والبحث عن ضبطهم ومخالفتهم لغيرهم من الرواة، ثم البحث عن مضمون الحديث وعرضه على الأصول الإسلامية، وقد أدت حركة الوضع إلى نتائج إيجابية من تشييد صرح السنة وإيجاد العلوم والفنون لضبطها سنداً ومتناً، فهل يزعم بعد هذا أن الأحاديث قد انتقدت، وما أنتقد لا يسعنا إقحامه في الدين وإقامة الشعائر بمقتضاه؟! فالنقد والفحص للسنة لم يكن إلا لإزالة ما لصق بها ما ليس من أصلها.
الشبهة الخامسة: السنة أخبار آحاد تفيد الظن وهو ليس حجة.
الرد عليهم: إن خبر الأحاد أمرنا القرآن بقبوله وجرى العمل عليه في شرع الله قال تعالى: [واستشهدوا شهيدين من رجالكم] ولم يشترط شهادة التواتر، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم كتب الرسائل إلى كسرى والنجاشي والمقوقس، وقام بإيصال تلك الرسائل أفراد معدودون من رسله، على اعتبار قبول خبر الآحاد والاحتجاج به فقبل أولئك الملوك تلك الرسائل دون أن يقولوا للرسل إنكم أفراد آحاد، لا يستفاد من خبركم الحجة واليقين.
وقد ذكر الإمام الشافعي في كتابه (الرسالة ص 401) أدلة كثيرة على حجية خبر الآحاد منها:
1 - حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضَّر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها»
2 - وحديث أم سلمة في الرجل الذي قبَّل امرأته وهو صائم فأرسل امرأته تسأل عن ذلك فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك» قال الشافعي: «فيه دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله، لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرته. وهكذا خبر امرأته إن كانت من أهل الصدق عنده».
3 - وحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: «بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ أتاهم آت فقال: إن رسول الله قد أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها " وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة. ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة ولم يلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم».
ويقول الدكتور عبد المهدى عبد الهادي في كتابه (دفع الشبهات عن السنة النبوية) (ص51): «وهذه الشبهة مغالطة في وصف الأحاديث بأنها آحاد، فهذا المصطلح لم يستعمله المحدثون وإنما أطلقه من أرادوا إبطال الأحكام، ومن راجع كتب المصطلح لا يجد هذا المصطلح عند المتقدمين، ومن راجع كتب الأصول لم يجد هذه الدعوى عن المتقدمين منهم أيضا» ً
الشبهة السادسة: السنة فيها الصحيح والموضوع بخلاف القرآن.
الرد عليهم: إن من قال السنة فيها الصحيح والموضوع وسكت، أفاد أن صحيح السنة مختلط بموضوعها، ولا يميز الغث من السمين وهذا تجن على الحقيقة ومجانبة للصواب، ولو أن قائله أنصف لأكمل الكلام فقال: السنة فيها الصحيح والموضوع، والصحيح معلوم والموضوع معلوم.
يقول د. عبد المهدي عبد الهادي في كتابه (دفع الشبهات عن السنة النبوية ص 46 - 49): «إن السنة لها رجالها وعلماؤها ولقد بينوا حال كل حديث، وحكموا على الصحيح بالصحة، وعلى الحسن بالحسن، وعلى الضعيف بالضعف، وعلى الموضوع بالوضع. وألف بعضهم كتباً في ذلك، إن وجود كتب جامعة للأحاديث المقبولة وكتب للأحاديث المردودة ظاهرة طيبة في شأن السنة النبوية فمن أراد الأحاديث المقبولة فلها كتبها الكثيرة، وذلك لمعرفتها والتحذير من روايتها».
فمن قال من أراد إنكار السنة بأن فيها الصحيح والموضوع أراد بهذا أن تمييز الصحيح من الموضوع لا يمكن بل هو مختلط بعضه مع بعض وهذا لا يصلح أن يكون تشريعاً ومصدراً في الإسلام فلهذا الخطر لابد من إنكارها والاكتفاء بالقران.
الشبهة السابعة: التأخر في تدوين السنة النبوية فالسنة لم تدون إلا في مطلع القرن الثاني الهجري.
الرد عليهم: قال عماد السيد الشربيني في كتابه (السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام ص 346 - 353).
¥