تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإذن أول من قال بهذا الضلال معبد الجهنمي فهو الذي حدد معالم هذا القول، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول له، يا تيس جهينة لست من أهل السر ولا من أهل العلانية، لا ينفعك الحق ولا يضرك الباطل أي أنت أحمق سفيه لا تصلح لا لليسر ولا للجهد ولا للسلم ولا للحرب ثم بعد ذلك لو علمت الحق لا تنتفع به ولو عرفت الباطل لا تتضرر به.

وقال مسلم بن يسار: احذروا معبداً فإنه ضال مضل، إنه يقول بقول النصارى، وهكذا قال الحسن البصري.

ولما ظهرت مقالة معبد هذه أخذه الحجاج – بأمر من عبد الله بن مروان – فقطع يديه ورجليه ثم صلبه وحرّقه بالنار، وهذه من حسنات الحجاج لكنها مغمورة في بحر سيئاته كما تقدم معنا.

وأول حديث في صحيح مسلم في كتاب الإيمان يتعرض لذكر معبد الجهنمي وضلاله، فعن يحيى بن يَعْمُر (ويصح: ابن يَعْمَد) قال: كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين، فقلنا لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عمَّا يقول هؤلاء في القدرى، فَوُفِّق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قِبَلَنا أناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم () وذكر من شأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم ساق حديث جبريل الطويل وفيه: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وأن تؤمن بالقدر خيره وشره ... الحديث.

الشاهد في الحديث: قول يحيى بن يعمر كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهنمي، فقال إن الأمر أُنُف أي مستأنف جديد، ولم يقدر الله شيئاً في الأزل ولا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وهؤلاء أصحاب هذا القول هم أهل جد واجتهاد وحزم في العبادة ولذلك ذكر يحيى بن يعمر وصفهم لعبد الله بن عمر فقال له يتقفرون العلم وذكر من شأنهم أي عن عبادتهم واجتهادهم في طاعة الله.

وهؤلاء هم القدرية الغلاة والقائل بقولهم كافر عند المؤمنين والمؤمنات وهم الذين نفوا علم الله وقالوا الله لا يعلم الشيء إلا بعد وقوعه، وفي الحقيقة هذا فيه أعظم نقص في الله عز وجل إذا انتفى علمه وكان لا يعلم الأشياء إلا بعد وقوعها ثم إن العباد لا يعلمون الشيء بعد وقوعه فكيف نسوي الخالق بالمخلوق؟!! إن الله سبحانه وتعالى 1) بكل شيء عليم 2) على كل شيء قدير 3) فعال لما يريد، فهذه الأمور الثلاثة على إطلاقها وعمومها لا تكون إلا لربنا سبحانه وتعالى (إنما أمره إذا أراد شيئاً إن يقول له كن فيكون) وأما أنا وأنت فيما يكون مما لا نريده أكثر مما يكون مما نريده، وكم من إنسان يتمنى أماني لعله لا يقع عشر معشارها.

الحاصل: أنه بعد أن قتل الحجاج معبداً ذهبت البدعة من البصرة إلى الشام، والذي تولى نشر البدعة في بلاد الشام – بعد قتل معبد – هو غيلان الدمشقي – وقال بقول معبد فاستدعاه عمر بن عبد العزيز وكان خليفة المسلمين آنذاك – وناظره فرجع عن ضلاله، ثم قال – أي غيلان -: يا أمير المؤمنين كنتُ أعمىً فبصَّرْتني وضالاً فهديتني، وأصم فأسمعتني، جزاك الله خيراً لن أعود إلى هذه الضلالة، فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان عبدك غيلان صادقاً ثبته واشرح صدره، وإن كان كاذباً فعجل عقوبته.

فبقي غيلان في عهد عمر على حاله لم يصدر شيئاً بدعياً أو شيئاً من وساوس الشيطان التي تاب عنها ظاهراً وأما في السر فبقي على ضلاله ولذلك بمجرد موت عمر بن عبد العزيز رحمه الله أعلن غيلان بهذه البدعة ودعا إليها، فاستدعاه الخليفة في ذلك الوقت هشام بن عبد الملك وناظره سيد المسلمين في ذلك الوقت الإمام الأوزاعي ليرجع عن ضلاله فلم يرجع، فقال الإمام الأوزاعي: يا أمير المؤمنين لا يستحق إلا القتل، فقتله هشام، وقد كان هشام بن عبد الملك من أكثر الخلفاء تورعاً في الدماء وكان لا يتعجل في قتل من يثبت عليه الكفر ويقول لعله يتوب لعله يقلع لعله .. لعله - وهذا في الحقيقة أمر حسن في الخليفة والمسؤول – فلما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير