يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث فأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
2) إذا سلم من هذه الطريقة (الزندقة) فسيسلك الطريقة الشركية الجبرية: حيث يقول كل ما نفعله أحبه الله ورضيه، (لو شاء الله ما أشركنا) فلما تعمق في القدر دون أسس شرعية أدَّاهُ أمره إلى أن يقول كل شيء بقضاء وقدر، وهذا صحيح لكن رتب عليه محذور فقال: كل ما قضاه الله يحبه وعليه فنحن نطيع الله ونحن وإن خالفنا أمره إلا أننا قد وافقنا إرادته، والموافق لإرادته مطيع، وقد تقدم معنا أن الطاعة هي موافقة الأمر الديني لا الأمر الكوني القدري.
3) وإذا سلم من هذه والتي قبلها فسيقع في الطريقة المجوسية، فيقول: الله أمر ونهى وشرع وحكم لكنه لم يخلق ولم يقدر، فأداه تعمقه في القدر إلى نفي القدر، لأنه على زعمه لو أثبت القدر لكان الله ظالماً!! فلينزه الله عن الظلم قال لم يقدر عليه شيئاً ولم يخلق شيئاً بل العبد هو الذي يقدر ويخلق.
فانظر للضلالات التي ستعتري من يتعمق في القدر دون أسس علمية شرعية، فابحث في قدر الله على حسب ما تلكمنا وضع أمامك كتاب الله وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام وحذار أن تخرج عنهما، فإذا كان عندك بحث شرعي فتقرره ثم تقف عند هذا، وأما إذا ما أردت، أن تبحث في هذا المبحث على حسب مقتضيات العقول فستخذل وتضل كما ضل من قبلك.
الثاني: جميع الأمور بتقدير العزيز الغفور:
فكل ما يقع من إيمان وكفر وخير وشر وطاعة ومعصية سبق به تقدير الله، ولا يقع شيء إلا حسب قدر الله وعلى حسب ما سطر في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق مخلوق أو يوجد موجود.
ثبت في صحيح مسلم وموطأ الإمام مالك عن طاووس –، قال: [إن كنت أدركت ناساً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا يقولون كل شيء بقدر، وسمعت ابن عمر يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "كل شيء بقدر حتى العجز والكَيْس] أي حتى الحماقة والذكاء أي كل ما يقع بتقدير الله فهذا مما تواتر عن الصحابة وثبت عن نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا الأمر ورد فيه الحديث أشار ربنا إليه في آخر سورة القمر قال (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، ثبت في صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: [جاء المشركون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجادلوه في القدر () فأنزل الله إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح البصر]، إذن كل ما يحصل من طاعة ومعصية فهو بقدر الله لكنه يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية.
3) الثالث: مبحث القدر الذي بحثناه يدعونا إلى أن يعظم الخوف في قلوبنا مما سبق به تقدير ربنا لنا، ولذلك قال أئمتنا المؤمنون يخافون سوء الخاتمة، والصديقون يخافون سوء السابقة، ولا يكون سوء الخاتمة إلا على حسب سوء السابقة، فأولئك (المؤمنون) يتعلقون بحالتهم فقط فيخشون من سوء الخاتمة لكن هؤلاء (الصديقون) عندهم خوف أعظم من خوف سوء الخاتمة وهو سوء السابقة، أي ماذا كتب لهم في الأزل من أهل النار أو من أهل الجنة؟.
والسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه، وأنت لما كنت في ظلمات ثلاث كتب رزقك وأجلك وشقي أم سعيد، لكن ليس في هذا إجبار ولا إكراه، كما تقدم.
لكن تطيش عقول الصديقين نحو السابقة التي قدرها رب العالمين والسابق مجهول، ولذلك ينبغي عليك أن لا تسترسل في الفساد وتقول هذا قدر علي لا ينبغي هذا منك فإذا كنت كيساً عاقلاً فإنك تأخذ الأهبة والحذر وتخاف ومن خاف هرب من سخط الله إلى رضوانه ولجأ إليه بالدعاء والتضرع وأن يحسن خاتمته، فمن خاف هرب ومن رجا طلب وإذا رجوت ولم تطلب فأنت متمنٍ أحمق، وإذا خفت ولم تهرب فأنت كذاب أحمق، ولذلك كان الصالحون يقولون: عجبنا للجنة نام طالبها وعجبنا للنار نام هاربها.
لكن ضربت الغفلة على قلوبنا ونسأل الله أن يحسن خاتمتنا إخوتي الكرام ... الإنسان إذا أراد أن يحصل شيئاً تراه يطلبه ويسعى وراءه فمن أراد بناء بيت لم يجلس بل سعى في تحصيل مواده وأمواله وما شكل كل هذا وكذا من يريد الزواج، فكيف ينبغي أن يكون حال طالب الجنة؟ لابد من السعي إليها والهرب من النار.
¥