تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوليد رضي الله عنه حضر ما يزيد على 80 معركة وفتحاً ولما حضرته الوفاة قال: "ما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة رمح وها أنا أموت على فراشي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء" ولذلك حقيقة المؤمن يحرص على الموت أكثر مما يحرص أعداء الله على الحياة فخالد رضي الله عنه رغم هذا العدد من المعارك ورغم هذه الضربات والطعنات إلا أنه لم يخف لأنه يعلم أن ما قدر له سيأتيه أينما كان ولذلك قال الله جل وعلا (يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) أي لو قدر أن الذين قتلوا في المعركة لم يخرجوا لأصابهم الموت في فروشهم في تلك الساعة، لذلك إخوتي الكرام ... كان للقدر شأن عند المسلمين رفع من معنوياتهم وأعزهم وجعلهم سادة في الدنيا قبل الآخرة.

5 - الخامس: لا يعني إيماننا بقدر ربنا أن تتواكل وأن نغفل الأسباب وأن نتركها فالمؤمن الموحد يقوم بالأسباب ويدفع بعضها ببعض ويربط قلبه بمسببها وخالقها وموجدها.

ولذلك قال أئمتنا، وهذا الكلام انقشوه في صدوركم: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد () وإنكار الأسباب أن تكون أسباباً قدح في الشرع والحكمة ()، والإعراض عن الأسباب قدح في العقل () وتنزيل الأسباب منازلها ومرافقة بعضها ببعض () محض العبودية لرب البرية".

إذن أربعة أحوال: قال الله لمريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) فلابد من سبب (هزي) لكن الذي سخر سقوط التمر هو الله، فهي ضعيفة (نفساء ثم هل هزها سيحرك النخلة؟!، لكن هذا هو بذل السبب وهذا هو جهدها، ولذلك قال بعض الظرفاء الأكياس:

ألم تر أن الله قال لمريم ?? فهزي الجذع يساقط الرطب

ولو شاء أدنى الجذع من غير هزها ?? إليها ولكن كل شيء له سبب

قال الشيخ عبد القادر الجيلاني عليه رحمة الله: "كان الناس إذا وصلوا إلى مبحث القدر وفقوا وأما أنا ففتحت لي رَوّزنة (فتحة) " فنازعت أقدار الحق بالحق للحق ()، والمؤمن من ينازع القدر بالقدر، لا من يستسلم للقدر () " وحقيقة هذا هو محض العبودية، وقد شرح هذا الكلام ابن القيم في المدارج (1/ 199) والإمام ابن تيمية في الفتاوى (8/ 547)، وهذا الكلام أجمل ما قاله الشيخ عبد القادر رحمه الله.

إذن لابد من الأخذ بالأسباب والعمل للوصول إلى المراد، وليس التوكل أن يعرض الإنسان عن السبب فهذا تواكل، فالتوكل هو ثقة القلب بالرب ثم يبذل ما في وسعه نحو هذه الأسباب ضمن استطاعته كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم [فاتقوا الله وأجملوا في الطلب]، ولو توكلنا على الله حق التوكل لرزقنا كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً وانتبه إلى تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم فأثبت لها سعيها (تغدو) و (تروح) أي تعود في المساء والعشى شبعى، فهذا هو حالها وهذا هو تقدير الله لرزقها، ولذلك قال عمر لرجل جلس يدعو يقول اللهم ارزقني، فقال له: ويحك إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة وكذلك لو جلس شخص في خلوته يدعو يقول اللهم انصرنا وهو جالس فهذا تواكل بل لابد من الجهاد والإعداد وأخذ الأسباب ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج للجهاد مع أن دعاءه يكفي لأنه لو دعى الله أن ينصره دون حرب لنصره جل وعلا، إذن لابد من عمل الأسباب (فامشوا في مناكبها) وإذا عملنا فلا نختال ولا نعجب ولا نغتر (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً).

اقنع بما ترزق يا ذا الفتى ?? فليس ينسى ربنا نملهْ ()

إن أقبل الدهر فقم قائماً () ?? وإن تولى مدبراً نم له ()

6 - السادس: كلام للشيخ عبد القادر الجيلاني يرحمه الله يلخص لنا فيه دين ربنا:

يقول: دين الله جل وعلا يقوم على ثلاثة أمور:

1) أمر يجب أن نقوم به. 2) نهي يجب أن نجتنبه. 3) قدر يجب أن نرضى به.

فهذه ثلاث حالات، وهذا الكلام للشيخ عبد القادر شرحه الإمام ابن تيمية في الفتاوى (10/ 455 - 550)، يقول الإمام ابن تيمية: جمع الشيخ عليه رحمة الله في هذه الجملة الدين بأكمله ولا يخرج شيء من دين الإسلام عن هذه الأمور الثلاثة، والعلم عند الله.

س: ما العلاقة بين القدر والدعاء؟

جـ: الدعاء سبب، وهذا السبب مقدر وهو كالأسباب المعروفة، فالله قد يقدر بلاءً ويجعل من أسباب رفع البلاء الدعاء فدفعنا القدر بالقدر ولذلك لا يرد البلاء إلا الدعاء ويعتلج الدعاء والبلاء في الفضاء فيغلب الدعاء فهذا مقدر وهذا مقدر لكن في النهاية لا يقع إلا ما قدره الله، وهذا السبب كوجود الزوجة سبب لوجود الولد لكن قد يوجد ولد ولا يوجد زوجة، كما يقول الشاعر:

فعليك بذر الحب لا قطف الجني ??? والله للساعين خير ضمين

أي عليك أن تبذر لكن ليس عليك الجني لأنك قد تبذر ولا تجد ثمراً تجنيه، ولذلك ما من مسلم يدعو بدعاء ليس فيه إثم أو قطيعة رحم إلا عجل الله الإجابة، وإما أن يصرف عنه من السوء، وإما أن يعطيه من الخير بمقدار ما دعا لا عينه وإما أن تدخر له الإجابة ليوم القيامة، ولذلك ضمن الله له الإجابة في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد، وضمن لك الإجابة كيفما يشاء لا كيفما تشاء، ولو كنت تضمن الإجابة في الوقت الذي تريد كما تريد لكنت إلهاً.

ان ربي الأعلى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير