تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهذا الطبري شيخ المفسرين، وأول من مثل الشيخ بكلامه يقول: (يعني تعالى بقوله (لا تجد قوما يؤمنون بالله ... لا تجد يا محمد قومًا يصدّقون الله، ويقرّون باليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله وشاقَّهما وخالف أمر الله ونهيه)، وهذا ابن عطية، ثاني الاثنين الذي مثل بكلامهما الشيخ لا يبعد كثيرًا عن قول الطبري، فيقول في تفسير آية المجادلة (نفت هذه الآية أن يوجد من يؤمن بالله تعالى حق الإيمان ويلتزم شعبه على الكمال يوادّ كافراً أو منافقاً. ومعنى يوادّ: يكون بينهما من اللطف بحيث يود كل واحد منهما صاحبه، وعلى هذا التأويل قال بعض الصحابة: اللهم لا تجعل لمشرك قبلي يداً فتكون سبباً للمودة فإنك تقول وتلا هذه الآية، وتحتمل الآية أن يريد بها لا يوجد من يؤمن بالله والبعث يوادّ {من حاد الله} من حيث هو محاد لأنه حينئذ يود المحادة، وذلك يوجب أن لا يكون مؤمناً (.

نعم، قد يوهم ذكر كثير من المفسرين لقصة عبد الله بن عبد الله بن أبي مع أبيه المنافق عبدالله بن أبي، ورغبته في قتله، وغيرها كما أورد القرطبي قائلا: (وقال ابن مسعود: نزلت في أبي عبيدة بن الجراح، قتل أباه عبدالله بن الجراح يوم أحد وقيل: يوم بدر. وكان الجراح يتصدى لأبي عبيدة وأبو عبيدة يحيد عنه، فلما أكثر قصد إليه أبو عبيدة فقتله، فأنزل الله حين قتل أباه: "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الأخر" الآية. قال الواقدي: كذلك يقول أهل الشام. ولقد سألت رجالا من بني الحرث بن فهر فقالوا: توفي أبوه من قبل الإسلام. "أو أبناءهم" يعني أبا بكر دعا ابنه عبدالله إلى البراز يوم بدر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (متعنا بنفسك يا أبا بكر أما تعلم أنك عندي بمنزلة السمع والبصر). "أو إخوانهم" يعني مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن عمير يوم بدر. "أو عشيرتهم" يعني عمر بن الخطاب قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر، وعلي وحمزة قتلا عتبة وشيبة والوليد يوم بدر)

وبكل حال فسواء صحت تلك القصص أم لم تصح، فالمقصود أنها وإن أوهمت أن المراد بالآية المعادي، والمقاتل، إلا أن هذا لا يستقيم للشيخ في دعواه أن (وكل الآيات التي جاءت تحرم موالاة غير المؤمنين فالمقصود بها المحاربون) فثمت آيات أخر تقدمت لا تحتمل ذلك التأويل، وهي صريحة في إناطة البغض، والتباعد بمطلق الكفر، وغاية ما يقال في تلك القصص وما تُوهمُه أنّ (هذا كله من إعطاء بعض أحكام المعنى الذي فيه حكم شرعي أو وعيد لمعنى آخر فيه وصفٌ من نوع المعنى ذي الحكم الثابت. وهذا يرجع إلى أنواع من الشبَه في مسالك العلة للقياس فإن الأشياء متفاوتة في الشبه) ().

وتجنبا في مزيد من الإطالة المملة، نكتفي بهذا القدر دون نقل عبارات غير ما تقدم من المفسرين، مما تفيد بظواهرها أن مناط البراءة هذه هو مطلق الكفر.

مطلق الكفر: مناط هذا الحكم، ومناط غيره كذلك

هذه الشريعة بناء محكم، ونسج متقن، فإذا ما أراد أحد تغيير جزء منه، أو العبث في نسق هذا النسيج، لزمه أن يحدث تغييرات أخرى في مواطن عديدة، مما ينخرم معه نسق الشريعة، فيظهر نشازه، وينفى خبثه.

في مسألة مناط البراءة من الكافر، أو بغضه، لدينا هذا:

وصف الكفر علّقت به أحكام كثيرة، منها أحكام دنيوية وأخرى دينية، فإن قيدنا حكم البراءة والبغض بوصف زائد على وصف الكفر دون دليل واضح، لقال قائل وكذا وجب أن نقيد غيره من الأحكام المتعلقة بالكافر بوصف زائد، وأمثلة ذلك كثيرة، فمنها تحريم الزواج بالكافرات من غير الذميات، فقد يقول قائل إن هذا التحريم مخصوص بالمحاربين والمعتدين منهم، أما غيرهم فينتظمهم مقصد " ولم يكن الحب المتبادل مجالاً محرماً في الإسلام، فالعلاقات الفطرية المبنية على المسالمة والمسامحة والإخاء جاء الإسلام ليرسخها، ويستفيد منها لبث الدعوة والقدوة، لا ليقطعها وينافر أهلها العداء".

ومنها حكم ذبيحة الكافر غير الكتابي، فقد يقال إن مناط التحريم ليس مجرد كفره، بل حربه وعدائه لنا، ومنها دخوله الكفار بأصنافهم البيت الحرام، ومسهم المصحف، وشهادتهم، وولايتهم، وإرثهم، وغير ذلك.

فإن قيدنا البغض للكافر بكون محاربًا، دون دليل ظاهر، لوجب علينا أن نقيد هذه الأحكام ونجعلها في الكفار المحاربين فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير