تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فإن قلت لا أحبه ولا أبغضه، لأنه لم يظهر لي العداوة، قلنا أولا هذا مما يستحيل تصوره، فكيف تخالط إنسانًا أو تعرفه، لكن مع ذلك تتجمد عواطفك ومشاعرك نحوه، فلا تتحرك بشيء من الحب والميل، أو شيء ولو يسير من الكره والبغض والنفور! وحتى لو قلنا بأن هذا متصور، فكيف نفعل بالكفر المتلبس بهذا الشخص صباح مساء، ذلك الكفر الذي يعتبر أعظم ظلم، وأشد معصية، وأنكى جريمة، وأخس طبع، وأبغض خلق عند الباري جل وعلا (وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلا مَقْتًا) أي "كلما استمروا على كفرهم أبغضهم الله، وكلما استمروا فيه خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، بخلاف المؤمنين فإنهم كلما طال عمر أحدهم وحَسُن عمله، ارتفعت درجته ومنزلته في الجنة، وزاد أجره وأحبه خالقه وبارئه رب العالمين، [فسبحان المقدر المدبر رب العالمين] " ()، وكيف تفعل إذا حان وقت الصلاة، فسجدت خضوعًا للرب جل وعلا، وامتنع هو عن ذلك، ألا يحرك ذلك في قلبك تمعرًا من الفعل و فاعله؟

فلا يبقى لنا مناص من أن نقول: إنه يحب من وجه ويبغض من وجه، وهذا أعدل الأقوال، وأقربها إلى الشرع، والعقل، وإن كان صعبًا على بعض الطباع، والعواطف، لكن لات منه مناص، فإن جميع الأقوال غيره مشكلة، ملجئة إلى هجرها، وهذا التفصيل نهج أهل السنة والجماعة، وبه تستقيم أمور، وتحل معضلات، وقد قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في المسلم العاصي، كالسارق ونحوها، فليرجع إليه، فإن صدق ذلك على المسلم، فالكافر من باب أولى، فإذا طولبنا بمحبته لحسنه، فلم لا نطالب بكرهه لسوئه؟ مع استحضار أن الكفر أعظم الذنب وأشنعه، فوجب أن يغلب الكره على الحب ....

ويزاد على هذا، فيقال إننا إن أحببناه، فعلنا ذلك لما فيه من خير، فأنت تحبه لصدقه، وعدله، ونفعه، فكذا يقال أيضا، إنك تبغضه لكفره، وظلمه لنفسه، ولربه، ومعصيته، فلا تبغضه لذاته ()، وهذا يهون علينا الأمر، ويقربه لدى الأفهام، وليس في البوح به أمام الكفار المعاونين للإسلام غضاضة، ومع هذا فمراعاة الأحوال واجب، وقد سبق قبل قليل ذكر مندوحة شرعية في هذا الباب.

وهنا يرد علينا تساؤل كالتالي، هل يتصور أن يوجد كافر، سمع عن الإسلام، لا يكن في قلبه أي عداوة للإسلام، أو قل أي عناد عن قبول الإسلام؟ لا يتصور هذا في الغالب، وإن صدق في عم النبي ? فيصعب تصوره في غيره، وربما يقال أيضا، إن نفس الكفر عداء لله ولرسوله ولمن تبعهم، لا أن الكفر مستلزم للعداوة، وقد لا يستلزمها، ولعل هذا هو السر في أن الله جل وعلا سمى الكافر عدوا في غير موطن من القرآن (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان) وقال (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) ().

البغض، لا يستلزم الظلم، ولا العدوان، بل ولا ينافي حسن العشرة والصحبة

لابد هنا من التنبيه إلى معان، تعتبر أسّاً لاستكمال فهم هذا الموضوع دونما إفراط، ولا تفريط، ودونما غلو ولا جفاء، فبهما يمكن للأمة المسلمة التعامل مع غيرها، أينما حلّ أفرادها، أو إلى أين ارتحلوا، ذلك أن الكفار لهم علينا حقوق:

أولهما: دعوتهم للإسلام، وهل مناط دعوتهم للإسلام، هو حب الخير لهم، أو مجرد وجوب الدعوة علينا، أو الرغبة في إنقاذهم من النار، أو إرادة نصر الإسلام بهم، أو مجرد كسب الأجر؟

الظاهر أن العلة مركبة من جميع تلك العلل، فقد وردت أدلة تفيد أن المناط إنقاذهم من النار إذ أن كثيرًا من النصوص خوفت الكفار والمشركين من عذاب جهنم لا غير، ووردت أدلة أخرى تفيد أن المناط نصر الإسلام بهم إذا أصبحوا مسلمين إذ أنه أسّ الإعداد بالقوة المأمور به في مواطن كثيرة، وكسب الأجر علة لا تحتاج إلى تدليل، ومهما يكن من أمر، فإن دعوتنا لهم لا تنفك عن إرادة الخير لهم.

فالبغض بهذا المعنى يختلف عن أي بغض أو كره في أي دين آخر، وليتنبه لهذا من أراد أن يترجم هذه المقالة، فبغضنا رحمة وعدل، وبغضهم عذاب وجور، نبغضه حتى نكون أحرص عليه، وعلى هدايته، حتى يرافقنا في الجنة، ونلهو معًا في بحبوحتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير