تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إنّ كثيرًا ممن يعدلون عن هذا الفهم الذي ذكرناه من الذين يعيشون في بلاد الغرب، يخالطون غيرهم من الكفار من أصحاب الرأي الحسن في المسلمين، وممن يعينون المسلمين أكثر من بعض المسلمين، يخالطونهم أزمنة مديدة، ولم يقولوا لهم يوما من الأيام قولوا "رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين"، فحبهم لهم، تحول إلى أنانية وطمع، وأخذ دون إعطاء، ويا حسرتنا يوم القيامة ويا حسرتهم يوم القيامة لو خلد أمثال هؤلاء في النار، وافترق الأحبة، وفزنا وخسروا، لقد خدعناهم بحبنا لهم، وما قمنا بواجبنا (اعبدوا ربكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون).

ولمزيد من الاستدلال على أنه لا تناقض بين البغض والدعوة، أن يقال: لو قال قائل: كيف تبغض الكافر المحايد، وأنت مطالب بدعوته، والدعوة مستلزمة لمحبته؟ والجواب: أننا مطالبون بدعوة جميع أصناف الكفار، وليس فقط الكافر المحايد، فتجب علينا أيضاً دعوة الكافر المحارب، كما تجب علينا دعوة الكافر المعاند، ولا يمكن لأحد أن يعترض بأن يقول إنه لا يمكننا أن نفعل ذلك - عقلاً وشرعًا - إلا بعد أن نحبهم، فليست محبتهم مناطا لدعوتهم وعلى ذلك فإن الصواب أن يقال والدعوة مستلزمة لحب الخير لهم، لا أن يقال إن الدعوة مستلزمة لمحبتهم، والخير يكمن في قبولهم للإسلام، فنحن وإن كنا نكره عدو الله ورسوله جورج بوش مثلا، ونتمنى أن تحل عليه قارعة من السماء تهلكه، وتريحنا من شره، إلا أننا عقلا وشرعا – لا عاطفة – نحب أن يسلم ويتوب الله عليه، وينجيه من النار، وقد ورد في الحديث أن القاتل والمقتول يدخلان الجنة، وكثير من الكفرة الفجار، أسلموا وحسن إسلامهم.

ولهذا فإن آيه (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ولم يظاهروا على إخراجكم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين) لم تبح لنا محبتهم، بل أباحت لنا (برهم) والقسط إليهم، والفرق ظاهر بين الأمرين.

ولله در سيد قطب رحمه الله، فكم كان فقيها في الإيمان، ولو لم يكن في عداد الفقهاء أو العلماء، يقول مختصرًا هذه القضية (والإسلام لا يمنع أن يعامل المسلم بالحسنى من لا يحاربه في دينه، ولو كان على غير دينه. . ولكن الولاء شيء آخر غير المعاملة بالحسنى. الولاء ارتباط وتناصر وتواد، وهذا لا يكون - في قلب يؤمن بالله حقاً - إلا للمؤمنين الذين يرتبطون معه في الله؛ ويخضعون معه لمنهجه في الحياة؛ ويتحاكمون إلى كتابه في طاعة واتباع واستسلام).

وعليه، فإن احتجاج الشيخ سلمان وغيره بأن الدعوة مستلزمة للحب، وكأنما يمتنع - عقلا وشرعًا- بغض من يُدعى، احتجاج غير صحيح.

أما الواجب الثاني فهو العدل معهم، وأداء الواجبات لكل بحسب حقه، وبه اتضح المقصود من كون بغضنا عدل ورحمه، وبغضهم جور وعذاب، وقد قال الله تعالى في كتابه (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)، وتاريخنا مفعم بصور من عدل المسلمين مع محاربيهم، ومقاتليهم، وشانئيهم، فلا نحتاج - خوفًا من وصم الشانئين لنا بشنيع الأوصاف- أن نحور شيئًا في ديننا، أو نتجنب الصراحة والوضوح.

وفي الذكر الحكيم (وإن جاهداك على أن تشرك بالله شيئا، فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فهذان الأبوان، معاندان، وهما في حكم المحاربين، لكن مع ذلك، وجبت مصاحبتهما بالمعروف في الدنيا، فالله أكبر ما أعدله من دين.

وهنا لفتة هامة، فإن الله جل وعلا، نص على أن المصاحبة مصاحبة دنيوية، فهي مصاحبة ظاهرة، لا تستلزم الحب، فضلا عن ما سماه الشيخ بالولاء الفطري، وهكذا يجب تأدية الصحبة بالمعروف بحسب القرابة، والحق.

كل ولاء لغير الله ورسوله، ولو كان يسيرًا، خطر على عقيدة الفرد، وعلى كيان الأمة

ثم إن هناك قضية خطيرة مر عليها الشيخ سلمان مرورًا سريعًا، دون أن يوليها حظها المناسب من البحث أو الاستدلال، لا سيما مع خطورتها ودقتها، أليس "الولاء الفطري للزوجة" وهو بداية الامتداد الخطير في العلاقة معها، وتجاوز تلك العلاقة الجسدية والعاطفية، لتصبح ولاء، أو نوع ولاء؛ هو الذي ساهم وبقوة في إطاحة كثير من الدول الإسلامية، وكلنا يذكر الدور الذي ذكره كثير من المؤرخين لزوجة السلطان العثماني سليمان؛ روكسلانا، وغيرها من نساء القصر في ذلك العهد للدولة العثمانية، والتقط ما تقع عليه يدك مما كتب في تاريخ الدولة العثمانية،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير