تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تجد هذا، فالأمر لا يحتاج إلى تدليل.

والتاريخ حفظ لنا كذلك بكل ألم دور شجرة الدر في سقوط الأيوبيين، وخيانتها لزوجها المغرر بحبها والولاء الفطري لها، وكذا دور النساء في سقوط دولة الفاطميين مع تحفظنا عليها، وليرجع إلى كتاب أسباب في سقوط أكثر من ثلاثين دولة إسلامية للدكتور عبد الفتاح عويس.

وخلاصة الأمر أن حالة الولاء- الفطرية - هذه لا تنفك إلا بأن تضع صاحبها في أحضان من يتولى، لتمتد فتتجاوز حدود الحب الفطري الجبلي الذي أباحه الإسلام بحيث لا يتعدى نزعات العواطف، والأحاسيس الزوجية، أو وشائج القرابة والدم، إلى معنى أكبر، وأكثر خطرًا، وعمقًا، هو ما استحدثه الشيخ سلمان بتعبيره "الولاء الفطري".

وهاهنا، يمكننا أن نقول إن ما يتحدث عن الشيخ سلمان – ولاء فطري وليس مجرد حب فطري جبلي - هو منبع الانحراف في الولاء الذي جاء الإسلام بنسفه من أساسه، والعجب من الشيخ سلمان الذي ترعرع في أحضان العلماء في نجد والسعودية أن يأتي بهذا الفهم الغريب لهذه القضية التي تعتبر من بدهيات ما يدرسه الطلاب هناك، ألم يأت الإسلام بتحويل الولاء كله إلى الولاء لله، ولرسوله، وللمؤمنين، وأن من أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وأنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك.

لو أردنا أن نسوق الشواهد على أن الشريعة جاءت لهدم هذا الأصل، لطال بنا المقام، والغريب أن يتجاوز الشيخ سلمان هذه الشواهد، مع كثرتها، وكثرة الحديث فيها، واستقرار الأمر عليها، ليفاجئنا بهذا الرأي، ونذكر هنا بما يحفظه الكثير، ففي صحيح مسلم، في قصة أسارى بدر، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه (فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا أَسَرُوا الأسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلاءِ الأسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هُمْ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ قُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَتُمَكِّنَ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَتُمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبًا لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهَا، فَهَوِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ) فانظر أيها المتأمل ما ذا قال عمر، وموطن الاستدلال هنا أنه فهم أن الله يحب هذا، ويريده، ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفهم، ولا هذه الرغبة المصادمة لهذا الولاء الفطري، وظاهر الأمر أنه أقره على ذلك مع أنه هوى إلى رأي أبي بكر الداعي إلى أسرهم.

هذا وقد يزاد على ذلك أن القرآن جاء معاتبًا للرسول صلى الله عليه وسلم أنه ذهب إلى هذا الرأي، قال عمر (فَلَمَّا كَانَ مِنْ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَيْنِ يَبْكِيَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمْ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا فَأَحَلَّ اللَّهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير