تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي قصة حاطب بن بلتعة المشهورة دليل آخر على أن الإسلام جاء لنسف أي تجاوز للحب العاطفي ليصبح "ولاء ولو محدودا" فحاطب دفعه حبه الفطري، وخوفه الفطري كذلك على زوجه وأهله وماله أن يكتب كتابا (لا يضر الله ولا رسوله) أراد فيه أَنْ يَكُونَ له (عندَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِه) وقد صرح بأنه لم يفعله (غشًّا وَلا نِفَاقًا، قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ مُظْهِرٌ رَسُولَهُ وَمُتِمٌّ لَهُ أَمْرَهُ)، واختلف العلماء هل كفر بهذا الفعل الذي تجاوز فيه حاطب الحب العاطفي ليصبح ولاء مقيدًا (لا يضر الله ورسوله)، ومن ثم نصرة، وكينونة، وانحيازا، ولو ظاهرًا، لا بالقلب فقط.

ولهذا يتبين لنا أن تعبير الشيخ سلمان بأن (المهم في قضية "البراءة" أن لا تحب غير المسلمين لعقيدتهم أو دينهم فتلك هي الباقرة () التي تقوم على ركن البراءة بالنقض، فمعنى ذلك تقديم غير دين الإسلام عليه، وذلك لا يحصل من مسلم رضي بهذا الدين واعتنقه وأحبه) غير دقيق وغير مقبول.

فحب الكافر - أو غير المسلم بتعبير الشيخ سلمان – لعقيدته، ليس مجرد باقرة، بل هي ناقض من نواقض الإيمان كما ظاهر ومعلوم، وإنما الإشكال في حب الكفار، هكذا بالجمع، أو حبهم حبا يستلزم تفضيلهم على المسلمين – تفضيلا معنويًا، وليس تفضيلا عسكريًا-، أو الانحياز لهم – كذلك ليس انحيازا عسكريًا استراتيجيًا -، أو الكينونة – كذلك أيضا - معهم دون المسلمين، هذا هو الإشكال الذي يحتاج إلى بحث، وليس مجال هذه المقالة بحثه، ولا التقرير فيه حتى لا يفهم أن رأي الكاتب فيه هو الذي حمله على تسطير هذا التعقيب.

فما بال الزوجة الكافرة من غير أهل الكتاب؟

أمر آخر نحب أن نذكره هنا، وهي نكتة لطيفة قل من نبه عليها، وهي عدم جواز البقاء مع الزوجة الكافرة إذا لم تكن من أهل الكتاب، كملحدة، أو مشركة، أو نحو ذلك، حتى ولو كان له منها أولادًا وذرية، فأمر المسلم بمفارقتها، ولو استغرق حبه قلبه، فأين يكون موقع ذلك "الولاء الفطري" الذي يتحدث عنه الشيخ سلمان؟ ألم تنسفه الشريعة نسفًا، فلم تقره، بل لم تقر – في هذه الحالة- ما هو أدنى منه وهو الحب الجبلي الفطري، أو قد يقال أمرت أن يستعلي المسلم على عواطفه بما فيها ذلك الحب الفطري الذي لا يملك دفعه، ليضعه في بوتقة الشريعة وإطارها، فلا يباح لمسلم نكاح مشركة، أو كافرة، من غير أهل الكتاب، ووالد وولد أحدهما من هذه الأصناف يجري بينهما حب جبلي، يضبطها مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {24}) ().

وقل مثل ما تقدم هنا في بقاء الزوجة تحت زوجها الكافر، نصرانيا، أو يهوديا، أو ومشركًا، أو ملحدًا، حتى ولو كان ابن عمها، ووالد ذريتها الضعفاء.

فحالة حب الزوجة النصرانية أو اليهودية، حالة خاصة، لا تعمم، وكذا حالة حب القريب الكافر، وكذا المصاحبة بالمعروف، حالات محددة، لا يمكنها أن تجتمع لتؤلف ما عبر عنه الشيخ سلمان "بالولاء الفطري"، بل غاية ما يقال فيها إن الشريعة أقرت ذلك الحب الفطري – وفي حالات محدودة أيضا-، ولم تنفه في حدوده ودائرته، لكنها مع ذلك نهت أن يتحول ذلك الحب الفطري لولاء يتجاوز الحب، ليشمل النصرة، والكينونة، والانحياز، لا سيما عند تمايز فريقين، فريق الإيمان وفريق الكفر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير