تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما قول الشيخ عبدالعزيز: (وأبعد من ذلك قول أخي الشيخ السقاف: "كل ما في الأمر أن عتبان كلَّ بصره، وفعل فعلاً كان يرى عليه فيه غضاضة؛ وهو صلاته في بيته فأراد إقرار النبي صلى الله عليه وسلم عليه له على فعله". وأقول لأخي إن هذا جيل البلاغة والبيان أما كان يمكنه أن يقول: "يا رسول الله هل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي" فيقول له الرسول: "لا أجد لك رخصة، أو افعل ولا حرج". فأين منطوق الحديث ودلالته الظاهرة من هذه التأويلات البعيدة المتكلفة) ا. هـ.

ويريد الشيخ هنا الاعتراض على ما ذكره الشيخ السقاف من حمل الحديث على المعنى المذكور، وبيان أنه أبعد من القول بأن عتبان أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه باتجاه القبلة على وجه القطع، ولا شك أن ما ذكره الشيخ السقاف هنا ليس بأبعد ولا أضعف من هذا القول، بل ذاك القول هو الأضعف الأبعد، ومن تأمل في سياق نص الحديث كاملاً رأى أن هذا المعنى الذي أبداه الشيخ السقاف ممكن محتمل وليس كما يصوره الشيخ -غفر الله له-، وإليك النص تاماً بين يديك لتتأمل فيه:

عن عتبان بن مالك، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن شهد بدرا من الأنصار: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، قد أنكرت بصري، وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار، سال الوادي الذي بيني وبينهم، لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله، أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى، قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سأفعل إن شاء الله). قال عتبان: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال: (أين تحب أن أصلي من بيتك). قال: فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصصفنا، فصلى ركعتين ثم سلم .. الحديث. رواه البخاري 425.

وبكل حال فليس في النص دليلاً على ما يريده الشيخ من تجويز التبرك بكل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم كما سبق.

وأما ما ذكره الشيخ بخصوص الواقدي وما رواه عن الصحابة وأهل المدينة من قصدهم لمسجد عتبان للصلاة، فالواقدي كما يعلم الشيخ متروك كذاب، ولا يصلح لمسألتنا هذه التعلق بروايته مع كونه حافظاً لجملة واسعة من التواريخ، وكونه وعاءً من أوعيته، إذ مسألتنا من مسائل الدين والشريعة، والتي لا يصلح أن يُستدل فيها إلا بالأخبار الصحيحة الثابتة وهذا ما لا ينبغي أن يختلف عليه، وليت الشيخ إذ أراد الاستدلال برواية الواقدي المتروك أن بين -ولو أطال- الموقف العلمي الصحيح من رواية الواقدي وأمثاله حتى نتبين وجه الحجة، وإني لأعجب من وصف الشيخ لرواية الواقدي (بالثبوت) وهو المتروك في علم الرواية.

ثم نقول فهب أن الصحابة كانوا يصلون في ذلكم المسجد بل ويقصدونه للصلاة فما الضير في ذلك وقد قصده النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة فيه نزولاً عند رغبة عتبان وليكون ذلك المكان مصلى.

أما حديث جابر فلو سُلِّم صحة ما جاء من قصد جابر للدعاء في مسجد الفتح فيما بين الأذانين على ما في رواية الأدب المفرد، فليس ذلك من قبيل التبرك بذلكم المكان، وإنما هي المتابعة والتحري لِمَ قصده النبي صلى الله عليه وسلم، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تحرى الدعاء في هذا المسجد في وقت مخصوص ثلاثة أيام متتالية، فاستجيب له في آخرها، فليس فيه دليل على ما يريده الشيخ من جواز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم المكانية كما لا يخفى بل غاية الأمر متابعة فعلها جابر للنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه في مكان وزمان مخصوص.

فما سبق دال على أن دعوى الشيخ بجواز التبرك بكل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم أوسع من دلالة ما أورده من نصوص، فالشيخ يقول بمشروعية التبرك (الصلاة والدعاء والمكث) بكل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لبرهة، وما أورده دال على مشروعية قصد ما قصده النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة أو الدعاء من الأماكن دون ما وقع منه صلى الله عليه وسلم اتفاقاً، وليت شعري لِمَ اقتصر هؤلاء الصحابة على فعل ما فعلوا في أماكن مخصوصة، مادام كل موطن لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم صالحاً لذلك؟!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير