تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3) وبهذا يتضح أن ما أورده الشيخ عقب أثر سلمة السابق من كلام الإمامين الكبيرين مالك وأحمد لا مورد له في تقرير مسألتنا، فغاية المنقول عن مالك موافق للمنقول عن سلمة وهو ما لا نُنازع فيه، وليس في كلامه رحمه الله جواز التبرك بكل مكان لبث فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولو لبرهة، يقول الشيخ عبدالعزيز: (ومن هذا الحديث [أي حديث سلمة] أخذ مالك -إمام دار الهجرة- رحمه الله استحباب أن يصلِّي النوافلَ في هذا المكان؛ كما في (البيان والتحصيل/ لابن رشد) (17/ 133): " .. روى ابن وهب عن مالك أنه سُئل عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل له: أيُّ المواضع أحبُّ إليك الصلاة فيه؛ قال: أما النافلة فموضع مصلاّه، وأما المكتوبة فأول الصفوف") فالأمر لا يعدو تحرياً لما تحراه النبي صلى الله عليه وسلم من الأماكن كتحريه للصلاة في مسجد قباء، وخلف مقام إبراهيم عقب الطواف، وهكذا، وليس هذا محل النزاع كما تقدم.

وإني أُذكر -وليعذر القارئ- بما نقله الشيخ السقاف من كلام الإمام مالك بخصوص هذه المسألة والذي أعرض الشيخ عنه ولم يعلق عليه، (قال ابن وضاح القرطبي في البدع والنهي عنها (ص108): "وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي صلى الله عليه وسلم ماعدا قباءً وأحداً –يعني شهداء أحد" وقال ابن بطال في شرح البخاري (3/ 159) "روى أشهب عن مالك أنه سئل عن الصلاة في المواضع التي صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يعجبني ذلك إلا مسجد قباء")، وأزيد هنا ما ذكره الحافظ ابن عبدالبر عن الإمام مالك مما له صلة بمسألتنا، يقول عليه رحمة الله: (وقد كره مالك وغيره من أهل العلم طلب موضع الشجرة التي بويع تحتها بيعة الرضوان وذلك والله أعلم مخالفة لما سلكه اليهود والنصارى في مثل ذلك) الاستذكار 2/ 360، فلِمَ الإعراض عن هذه الأقوال الصريحة لمالك عليه رحمة الله والتعلق بقول خارج عن محل بحثنا.

أما الإمام أحمد فمن الغريب أن ينقل الشيخ هنا خبر التبرك بشعر النبي صلى الله عليه وسلم وكأن ثمة منازعة في مشروعية ذلك، أو أن الشيخ السقاف لا يقول به، وهو ما حاول الشيخ أن يُلمح إليه في مقاله، وهو ظلم ينسب للشيخ السقاف، وخطأ يُحمل عليه كما سيأتي.

4) من الغريب محاولة الشيخ عبدالعزيز إظهار الشيخ السقاف في مظهر المنكر للتبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، ومن المعلوم لكل من قرأ مقال الشيخ السقاف أنه قائل بمشروعية التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم المنفصلة منه كشعره وريقه وعرقه وغيره، أو ما لامسه كقصعته وثيابه وغير ذلك، لكنه يقول باندراس هذا التبرك المشروع لاندراس هذه الآثار، وفرق كبير بين من ينكر أصل مشروعية هذا اللون من التبرك وبين من يقول هو مشروع لكنه لا يمكن في هذه الأعصار لانعدام ما يتبرك به.

ثم إن كلام الشيخ عبدالعزيز في تصوير موقف الشيخ من هذه القضية لا يخلو من إيهام -أرجو أن لا يكون مقصوداً- قال الشيخ عبدالعزيز: (فإن الأخ الفاضل "علوي بن عبد القادر السقاف" لا يعترف بمشروعية التبرك مطلقًا؛ لا بالآثار التي هي جزء من جسده الشريف كشعره، أو لامست جسده الشريف صلى الله عليه وسلم كثيابه وقصعته؛ لأنها اندرست فاندرس معها التبرك بها، ولا بالآثار النبوية المكانية؛ لأن التبرك بها مرفوض عنده؛ مع وجودها وتوافرها؛ إذن فلا تبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم بأي حال؛ فهو منفيٌّ عنده جملةً وتفصيلاً).

وإني لأتساءل هل يقول الشيخ القاري بمشروعية التبرك بهذه الأمور جميعاً ليُنكر على الشيخ السقاف هذا الإنكار، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟!

وأما ما أثاره الشيخ في نهاية المقال بقوله: (وإنني أتعجب من هذه العقدة في نفوس البعض من إثبات البركة النبوية والتلهف إلى نفيها بالكلية لأنها أصبحت مرتبطة في أذهانهم بالشرك والبدعة)، فليس من العدل ولا الإنصاف في محاكمة الخصوم، وإنها لتهمة كبيرة عريضة أُعظِم أن تخرج من مثل الشيخ أو تصدر عنه، وإني لأحرج على الشيخ أن يقولها أو ينطق بها غاية التحريج، ووالله لو كان في الأدلة الشرعية ما يصحح دعوى الشيخ لأخذنا به ونشرناه وأذعناه ولوضعناه فوق رؤوسنا، لكننا نظرنا في خطابات الشارع وأحوال الصحابة فلم نر فيها ما يدل أدنى دلالة على ما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير