تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عمر هذا، وأن إنكار عمر إنما كان لأحد أمرين:

أ) إما أنه أنكر على قوم يزورون هذه الأماكن ولا يصلون.

ب) أو خشية أن يُعتقد وجوب ذلك.

وكلا الوجهين لا يخلو من تكلف بيّن، فالأول على خلاف نص الحديث، بل وعلى خلاف ما يراه الشيخ، فهو لا يرى غضاضة من تقصد هذه الأماكن للزيارة والمكث المجرد.

أما الثاني فكسابقه على خلاف ظاهر الأثر، ولقد كان يكفي عمر أن يبين ذلك بكلام عربي مبين دون الحاجة لأن ينكر عليهم إنكاره هذا ويقول لهم ما قال.

يؤكد هذا ما أورده الشيخ من أثر عمر رضي الله عنه في قطع شجرة الرضوان وذلك في سياق نقله من كلام الحافظ ابن حجر وفيه: (ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قوماً يأتون الشجرة فيصلون عندها؛ فتوعدهم، ثم أمر بقطعها، فقطعت)، قال الشيخ معلقاً: (لقد ذكر أخي الفاضل خبر قطع الفاروق عمر رضي الله عنه للشجرة، وهو مرسل، لأن نافعاً لم يلق عمر؛ قال الإمام أحمد: نافع عن عمر منقطع (انظر التهذيب لابن حجر 10/ 414) لكن هذا الخبر مشهور، وإن كان مرسلاً فهو مقبول) أليس هذا الفعل من عمر كفعله السابق في حديث المعرور في إنكار قصد هذه المواقع للصلاة سواءً بسواء، وهو ما لا يراه الشيخ غفر الله.

أما قوله فيمن كان يصلي عندها أنهم إما صحابة وإما تابعون، وأن طارق بن عبدالرحمن مر بمن كان يصلي عندها ولا ينكر عليهم فلا أدري ما وجهه، وما الحجة فيه، وكيف يُترك إنكار عمر الصريح لفعل مجاهيل لا تعرف أعيانهم، وهل من الإنصاف الإعراض عن الأمر المحكم المعلوم إلى أمر مجهول، وليس ينفع الشيخ قيام الاحتمال بكون بعض أولئك من الصحابة إذ الاحتمال قائم بكونهم ليسوا منهم، ولو قدر أن بعضهم من الصحابة، فمن علم (وهو عمر) حجة على من لم يعلم، وليس فعلهم هذا بأبلغ مما كان يفعله ابن عمر، ولم يوافقه عليه جماهير الصحابة كما سيتضح إن شاء الله.

10) أما ما ذكره الشيخ -غفر الله له- من أن عدم مخالفة الصحابة لابن عمر -على حد زعمه- دال على الموافقة وقوله: (فعدم نقل المخالفة أو الإنكار يدل على الموافقة؛ بخلاف العكس، وهو ما حاولتَ الاستدلال به، فجزمتَ بأن أبا بكر وعمر وبقية الصحابة كانوا يخالفون ابن عمر، ولا يرون التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم المكانية، ودون أن تثبت ذلك خرط القتاد؛ لكنك تستدل بأنه لم ينقل عنهم، وعدم النقل هنا ليس دليلاً)، فالشيخ يعتقد أن عدم النقل هنا لا يفيد نقل العدم، وأنه من الممكن المحتمل أن أبا بكر وعمر وبقية الصحابة كانوا يصنعون صنيع ابن عمر، وهذا في الحقيقة أمر عجيب، ولو فتح هذا الباب لانفتحت علينا أبواب البدع، فكلما قلنا هذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، أمكن أن يُدعى ما ادعاه الشيخ هنا، من أن عدم النقل ليس نقلاً للعدم، ومعلوم أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها بل هي فيما أمكن أن لا ينقل لقلته وندرته وعدم توافر الهمم على نقله، أما مسألتنا هذه فلو كان من ذلك شئ لنُقل، ولا أعلم أحداً من أهل العلم ادعى أن هذا ليس خاصاً بابن عمر وأن الصحابة كانوا مثله في شدة تحري أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما نُقل عنه ولم يُنقل عنهم مع اشتراك الكل في هذا التحري، كيف وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقول: (ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله كما كان يتبعه ابن عمر) (الطبقات الكبرى 4/ 145)، فما كان أحد يصنع كصنيعه، ولا يتحرى تحريه، بل أنكر عمر -وإن أبى الشيخ- من صنع صنيع ابنه، وليت شعري أيهما أقرب للمعقول والإمكان عدم نقل إنكار عمر على ابنه لو وقع، أو عدم نقل موافقة عمر وغيره لابنه!!

وهذا كله لو سُلم أن ما جرى من ابن عمر كان على وجه التبرك، والصواب أن ذلك لم يكن منه رضي الله عنه ولا من غيره على وجه التبرك بالبقعة على النحو الذي يريده الشيخ –غفر الله له- وهذا يتضح بالنقطة التالية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير