المعنى الأول: العد، كقول الله عز وجل: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) النحل: 18، فيكون إحصاؤها: أن نستخرجها من القرآن العظيم، ومن نصوص السنة الصحيحة. ويروى فيها حديث ((إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) ثم فيه مسرد للأسماء الحسنى رواه الترمذي [3] لكن الصحيح أن هذا المسرد، مدرج، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل من كلام بعض الرواة. وقد اعتنى العلماء بهذا الأمر أيما عناية، وصنفوا فيها المصنفات.
المعنى الثاني: التعقل، يعني فهمها و معرفة معانيها. ومنه قولهم: فلان ذو حصاة، أي عقل، وحصافة. وقول الشاعر:
رجعت لنفسي واتهمت حصاتي
فيكون من مقاصد إحصاء أسماء الله الحسنى، أن نعرف معانيها، وأن نتعقلها، وندرك المراد منها، والفرق بينها.
فمثلاً: القوي والقدير، كلاهما من أسماء الله الحسنى، معناهما متقارب لكن بين القوة والقدرة فرق يعرفه أهل اللغة؛ فالقوة وصف يتمكن فيه من الفعل من غير ضعف، والقدرة وصف يتمكن فيه من الفعل من غير عجز.
وممن صنف في هذا أبو إسحاق الزجاج في معاني أسماء الله الحسنى وغيره.
المعنى الثالث: العمل بمقتضاها، بمعنى حصول الأثر المسلكي من عدها، والعلم بمعناها. وهذا هو بيت القصيد في الواقع لأنه هو الثمرة. فأنت مثلاً إذا علمت أن الله على كل شيء قدير، ينبغي أن يعمر قلبك هذا الشعور. فإذا هممت بأمر من الأمور، اتكلت على ربك، وعلمت أنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. فيثمر في قلبك الطمأنينة، والثقة.
إذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى هو السميع، وأدركت أن السمع معناه إدراك الأصوات، ينبغي أن يثمر في قلبك أن لا تفوه بكلام، يسمعه السميع، فيسخط عليك؛ لا بغيبه، ولا نميمة، ولا قذف، ولا لغو.
إذا علمت أن الله هو البصير، وأدركت أن البصر يعني إدارك المبصرات، ينبغي أن يمتلئ قلبك بالحذر من أن يبصرك البصير على حال يسخطه. وهكذا.
فبهذا يتبين أن إحصاء الأسماء الحسنى له مراتب، وأن من حقق هذه المراتب الثلاث، استحق الجنة.
القاعدة الثالثة:دلالة أسماء الله الحسنى تكون بالمطابقة والتضمن والالتزام:
دلالة المطابقة: تكون على كامل المعنى. فاسم الله (الخالق) يدل مطابقة على قضيتين: على إثبات ذات الله، وإثبات صفة الخلق له , هذا مطابقة لأن أسماء الله أعلام وأوصاف.
دلالة التضمن: تكون على جزء المعنى. فاسمه (الخالق) يدل على ذاته تضمناً، ويدل على اتصافه بصفة الخلق تضمناً.
دلالة الالتزام: تكون بمعرفة مستلزمات المعنى الخارجة عن مجرد اللفظ. وهذه مسرح فكر العلماء، وأهل التدبر. فمثلاً نقول إن اسمه (الخالق) يستلزم أن يكون قديراً، وأن يكون عليماً. لأنه ما خلق الخلق على هذا النسق البديع، والنظام المنضبط، إلا عن علم، وحكمة. قال تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) الطلاق: 12
* / قسم العقيدة - كلية الشريعة وأصول الدين - جامعة القصيم
21/ 10/1428
[1] أخرجه أحمد 1/ 391 (3712) و1/ 452 (4318) عن عبدالله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله، عز وجل، همه، وأبدله مكان حزنه فرحا. قالوا: يا رسول الله، ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات؟ قال: أجل، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن. وصححه الألباني الصحيحة (199)، الكلم الطيب (124) معارف، صحيح الترغيب (1822)، المشكاة (2452)، التوسل (31)
[2] أخرجه "البخاري" 2736 و7392 و6410 و"مسلم" 6906 و"الترمذي" 3508 و"النسائي" في "الكبرى" 7612 و"أبو يعلى" 6277 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: ((إن لله تسعة وتسعين اسما، مئة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة))
- وفي رواية: إن لله تسعة وتسعين اسما، مئة غير واحد، من حفظها دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر.
[3] أخرجه ابن ماجة (3861) و"الترمذي" 3507. و"ابن حبان" 808 - قال أبو عيسى الترمذي: هذا حديث غريب، حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح. انظر حديث رقم: 1943 و 1945 و 1946 في ضعيف الجامع.