[شيخ الإسلام ومعرفته بالفلاسفة]
ـ[أبو البركات]ــــــــ[27 - 12 - 07, 01:26 م]ـ
قرأت كلام للشيخ سفر الحوالي وحببت أن أنقله للإستفادة والنقاش:
(لقد كان ابن رشد أعلم الناس في زمانه بالفلاسفة، إلا أنه جاء بعده من هو أعرف منه، فمن يقرأ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، يستطيع أن يقسم بالله باراً غير حانث أنه أعلم الناس بكلام الفلاسفة، فلا يمكن أن يوجد من هو أعلم منه، وهذه كتبه موجودة عندنا شاهدة بذلك.
فلا نكاد نجد أحداً يعلم مذاهب الفلاسفة جميعاً مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى إنه يعرف عن فلسفة كل مذهب منهم أكثر مما يعرفه بعضهم عن بعض؛ بل إنه يعرف عن فلسفة بعض الطوائف أكثر مما يعرف أساطينها عنها، ومن ذلك أنه يذكر كلام ابن سينا أو الفارابي عن أرسطو، ويصحح كلامهم، ويبين ما قد يقصده أرسطو من كلامه، ومخالفة غيره من الفلاسفة له -كسقراط وغيره- وهذا شيء عجيب جداً من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرفته بكلامهم ونقضه له!
وهناك فرق كبير بين شيخ الإسلام وبين غيره ممن رد على الفلاسفة، كـ أبي حامد الغزالي رحمه الله، الذي اشتهر عند الناس أنه أكبر من رد على الفلاسفة، وإذا ذكر عدو الفلاسفة قيل: إنه الغزالي؛ لأنه ألف كتاب تهافت الفلاسفة، وفي أول كتابه هذا ذكر منهجه فقال ما معناه: (ونحن نستنصر على هذه الفرقة بكلام جميع أهل الإسلام من معتزلة، ومتكلمين، ومرجئة، وكرامية)، فهو يبين أن الفلاسفة خارجون عن جميع الملل، فكل الملل تحاربهم وترد عليهم، وهذا هو منهج الغزالي، أنه يرد عليهم بكلام كل طائفة؛ لأنهم أعداء لجميع الطوائف، بينما منهج شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يأتي بكلامهم كله ثم يبسط الرد عليهم، وإذا وجد أن أحداً ممن رد عليهم قد أخطأ، فإنه يخطئه ويرد عليه الرد الصحيح، وإذا انتقدهم البعض خطأً خطأه شيخ الإسلام، وقال: إن كلامهم لا يحتمل ذلك، بل قد يحتمل معنى آخر، ويصحح كلام منتقدهم، ثم يرد هو عليهم رداً من جميع الوجوه موافقاً للكتاب والسنة .. فأين شيخ الإسلام من الغزالي الذي يرد عليهم بكلام من يخالفونهم فقط، دون النظر إلى موافقة الكتاب والسنة؟!
ولابن رشد كلام عجيب جداً في كتاب مناهج الأدلة، والذي يتبادر إلى من يقرؤه أنه يحمل منهج أهل السنة والجماعة .. يقول ابن رشد: "القول في الجهة .. وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه، حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله -إلى أن قال-: والشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماوات نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرب من سدرة المنتهى، وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك".
وإن من يقرأ كلام ابن رشد هذا فإنه يقول: هذا كلام صحيح يوافق منهج أهل السنة. وهو في الحقيقة خطأ؛ لأنه يساوي بين أقوال الحكماء وبين ما جاء به الأنبياء من تشريع عن الله عز وجل.
وقد رد ابن رشد على كتاب الغزالي تهافت الفلاسفة بكتاب تهافت التهافت، فيقول له: أنت أيها الغزالي أشعري، وكلامكم أنتم الأشاعرة هو الذي لا يقبله العقل ولا النقل، أما نحن فإن كلامنا موافق للشرع لأن الشرع؛ والحكمة والفلسفة سواء. أي: أن كل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، وكل ما جاء به أرسطو وأفلاطون حق، فهما سواء، ولا فرق بينهما.
فالانحراف والخلل دخل على ابن رشد من هنا، ولذلك فقد أصبح أكثر انحرافاً وضلالاً من الغزالي أو من الأشاعرة، مع أنه يوافقنا على كثير مما نقول، لكن مشكلته أنه يقول ذلك، ويقول: إن الفلسفة والحكمة جاءت به، وتهدي إليه، فهما سواء.
فهذه هي المخالفة المنهجية الواضحة بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أهل السنة والجماعة، وبين هؤلاء، فمنهج أهل السنة يقول: أولئك وثنيون مشركون ضالون، ولسنا بحاجة لهم على الإطلاق، ولا نذكر كلامهم أبداً إلا في مقام الرد عليهم، لكن ابن رشد يريد أن يجعلهما سواء .. فهذا حق وهذا حق، ونحن نقول: إنما الحق ما جاءت به الرسل، وأما أن العقول السليمة تدل على ما جاءت به الرسل، فهذا حق لا شك في ذلك، لكن ليس هذا من باب إثبات حكمة أرسطو وأفلاطون، بل كل عاقل فهو يرى في نفسه أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هو غاية الحق، الذي لا تستطيع العقول أن تأتي بمثله أبداً.)
ـ[البتيري]ــــــــ[27 - 12 - 07, 08:12 م]ـ
جزاكم الله خيرا: ابن تيمية، الحوالي وابو البركات.
ـ[أبو القاسم الحائلي]ــــــــ[02 - 01 - 08, 11:51 ص]ـ
رحم الله ابن تيميه
و حفظ لنا الشيخ سفر فهو ممن يتوق الانسان ليثني ركبه عنده