[البدعة - رؤية تحليلية .... للشيخ رفاعي سرور]
ـ[محمد بن عبد المجيد المصري]ــــــــ[15 - 12 - 07, 10:22 م]ـ
البدعة - رؤية تحليلية
الشيخ/رفاعي سرور
الابتداع هو التضاد التام مع الدين ..
لأنه ليس مجرد خروج عليه، ولكنه تغيير فيه ..
وهذا التغيير ليس مجرد تغيير لحقائق في الدين، ولكنه تفكيك للإحكام المنهجي الذي يقوم عليه الدين كلُّه ..
عن غضيف بن الحارث الثُّماليِّ قال: بعث إليّ عبد الملك بن مروان فقال: يا أبا أسماء، إنَّا قد أجمعنا النَّاس على أمرين، قال: وما هما؟ قال: رفع الأيدي على المنابر يوم الجمعة، والقصص بعد الصبح والعصر، فقال: أما إنَّهما أمثل بدعتكم عندي، ولست مجيبك إلى شيءٍ منهما، قال: لِمَ؟ قال: لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم قال: (ما أحدث قومٌ بدعةً إلَّا رُفع مثلها من السُّنَّة، فتمسُّكٌ بسنَّةٍ خيرٌ من إحداث بدعةٍ).
ودليل ذلك هو معنى الحكمة الدال على الإحكام، والمقابل لمعنى البدعة ..
وذلك على أساس الارتباط بين الحكمة والإحكام من ناحية .. والتقابل بين الحكمة والبدعة من ناحية أخرى.
قال الفضيل بن عياض: (ومن جلس مع صاحب بدعة؛ لم يُعطَ الحكمة).
ولما كانت الحكمة مفهومًا يتعلق بالإنسان وشخصه -طبيعته وخُلقه- كانت أخطر آثار البدعة في شخصية المبتدع هي حرمان الحكمة.
وقد بين ذلك الإمام أبو عثمان النيسابوري في تفسير قوله تعالى: ((إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)) [الشعراء:89] قال: (هو القلب الخالي من البدعة، المطمئن إلى السنة).
وقال: (من أمَّر السنة على نفسه -قولًا وعملًا- نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه -قولًا وعملًا- نطق بالبدعة).
حيث إن اتباع الهوى يجعل الإنسان ينطق بالبدعة بعد فقده للربانية، التي تجعله ينطق بالحكمة.
وكما تقابلت البدعة مع الحكمة .. تقابلت آثار البدعة مع آثار الحكمة ..
فأول آثار البدعة ذُل المبتدع، وأول آثار الحكمة عِزة الحكيم ..
ولذلك أورد ابن كثير قول لقمان لابنه: (يا بني، إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك).
ومن هنا كان الذل أول آثار البدعة في شخص المبتدع.
قال الحسن البصري: (إن ذلَّ البدعة على أكتافهم، وإن هَمْلَجَت بهم البغلات، وطقطقت بهم البراذين).
وكل من «افترى بدعة» فإن ذُلَّ البدعة ومخالفة الرسالة متصلة من قلبه على كتفيه، كما روى أيوب السَّخْتَيَاني عن أبي قِلابة الجَرْمي أنه قرأ هذه الآية: ((وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ)) [الأعراف:152] قال: هي والله لكل مفترٍ إلى يوم القيامة.
وقال سفيان بن عيينة: (كل صاحب بدعة ذليل).
والذل الذي يصيب المبتدع ناشئ عن انفصاله عن الأمة، الذي يُفقده إحساسه بذاته .. بعد انفصالها عن السنة وأهلها ..
ومن هنا كانت صيغة التعويض النفسي عند الخروج على الأمة هي المبالغة في العبادة، مثلما كان من أمر الخوارج ..
فبينما كان رسول الله يوزِّع الغنائم قال رجل: هذه القسمة لم يُبتغ بها وجه الله، فأراد عمر قتله، فمنعه رسول اللهصلى الله عليه وسلم، وقال له: (سيخرج من ضئضئ هذا الرجل قومٌ يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم).
ولعلنا نلاحظ قوله صلى الله عليه وسلم: «يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصيامه إلى صيامهم» وهي المبالغة في العبادة التي تعالج غيبة إحساسه بذاته بعد انفصاله عن أمته.
فبمجرد انقطاع المبتدع عن السنة ينقطع عن الأمة، وينقطع عن الله!!
وكان لكل من الانقطاع عن الأمة والانقطاع عن الله أحكام تُحقق في واقع المبتدع ما كتبه الله عليه من الذل:
أفقدته حرمته في المجتمع:
أخرج البيهقي عن الحسن البصري قال: (ثلاثة ليس لهم حرمة في الغيبة: فاسق معلن الفسق، والأمير الجائر، وصاحب البدعة المعلن البدعة ... ).
كما لا يكون لرأيه وزنٌ أو اعتبار:
يقول الألوسي في تفسيره: (إن مخالف هذا الإجماع من أهل البدعة؛ فلا اعتبار بمخالفته؛ فلا تضر في انعقاد الإجماع).
وبالجملة .. لا يكون للمبتدع حبٌّ ولا كرامةٌ:
وقد قال بعض أهل البدع لأبي عمران النخعي: اسمع مني كلمة. فأعرض عنه، وقال: (ولا نصف كلمة!)، ومثله عن أيوبالسختياني.
¥