[من أين أخذ السفاريني هذا البيت؟ (معنى معرفة الله عند المتكلمين)]
ـ[محمد براء]ــــــــ[05 - 02 - 08, 03:03 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ محمد السفاريني رحمه الله في الدرة المضية:
وبعدُ: فاعلَمْ أنَّ كُلَّ العِلمِ=كَالفَرعِ للتَّوحيدِ فَاسْمَعْ نَظمِي
لأنَّهُ العِلمُ الَّذي لا يَنبَغي=لِعاقِلٍ لِفَهمِهِ لَم يَبْتَغِ
فَيُعلَمُ: الواجِبُ وَالْمُحالا=كَجائِزٍ في حَقِّهِ تَعالَى
قال الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في حاشيته على البيت الثاني: " لأن علم التوحيد هو العلم العظيم القدر الذي ينبغي ويجمل بل يجب لكل شخص عاقل من ذكر وأنثى أن يدأب في تحصيله، وإدراك معرفته، والاتصاف به، ليكون في دينه على بصيرة.
وصرح المصنف - عفا الله عنه - في شرحه بأن مراده بعلم التوحيد هنا: التمييز بين الجواهر والأجسام والأعراض، والواجب، والممكن، والممتنع، وغيرها، وليس هذا من التوحيد في شيء، ولا مذهبا لأهل السنة والجماعة ومعرفة الخالق - جل وعلا -، ضرورية فطرية والمهاجرون والأنصار وسائر السلف يعرفون الله عز وجل بتصديق الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأعلام الرسالة، ودلائلها، لا من باب النظر في الوجود، والأجسام، والأعراض، والحركة، والسكون، وكان، ويكون، ولو كان واجبًا عليهم لما أضاعوه، ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم، وإنما التوحيد الذي أرسلت به الرسل، وأنزلت به الكتب، وتجب معرفته، هو: إفراد الله بالعبادة، ونفي عبادة ما سواه الذي هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله، قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] ومن شهد أن لا إله إلا الله خالصا من قبله، فلا بد أن يثبت الصفات والأفعال لله تعالى ".
وفي حاشيته على البيت الأخير قال:" أي: يجب على كل مكلف أن يعرف ما يجب لله تعالى، ويأتي.
وقال المصنف: وهو ما لا يتصور في العقل عدمه كوجوده تعالى، ووجوب قدمه، ويعلم المحال وهو: ما لا يتصور في العقل وجوده كالشريك له تعالى. ا هـ.
ووجوده تعالى، ووجوب قدمه، ونفي الشريك عنه معلوم بالضرورة من الشرع والعقل الفطرة، وقد أقر به المشركون قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87]. وإنما الخلاف بينهم وبين الرسل في توحيد العبادة.
وقال المصنف كما يجب أن يعلم كل جائز في حقه - تعالى وتقدس -، وهو ما يصلح في نظر العقل وجوده وعدمه على السواء، كإرسال الرسل. اهـ. ولله في إرسالهم حكم ومصالح، وعواقب حميدة، وكون العقل أصلا يعتمد في المطالب الإلهية قدح في الشرع، وإنما العقل تابع مصدق للشرع، ودلالته مشروطة بعدم معارضة الشرع.
وتحت هذا البيت من الاحتمالات على أصول المتكلمين ما ينبغي إن يتنبه له، كقول بعضهم: يجب أن يعلم أن ذات الرب وجوده أو غير وجوده، أو أنه الوجود المطلق، بشرط سلب كل ماهية عنه تعالى، أو أن لا ينعت بنعت، أو أنه علة تامة أزلية، فيلزم أن لا يحدث عنه حادث، لا بواسطة ولا بغير واسطة، كما هو قال ملاحدة الفلاسفة المعلوم البطلان.
فإن واجب الوجود تعالى هو الفعل لكل ما سواه، الذي لا يتوقف فعله على أمر آخر من غيره، بل نفسه هي المستلزمة لفعله، ليس علة تامة أزلية، بل لا بد أن يكون متصفا بأفعال اختيارية تقوم به، يحدث بها ما يحدث على مقتضى إرادته وحكمته ".
والبيت الأخير أخذه الناظم من الخريدة البهية حيث يقول:
وواجب شرعا على المكلف = معرفة الله العليِّ فاعرفِ
أي يعرف الواجب والمحالا = مع جائز في حقه تعالى
ومثل ذا في حق رسْلِ الله = عليهم تحية الإلهِ
وقريب منه قول صاحب الجوهرة:
فَكُلُّ مَنْ كُلَّفَ شَرْعًا وَجَبَا = عَلَيْهِ أَنْ يَعْرِفَ: مَا قَدْ وَجَبَا
لِلّهِ وَالجَائزََ وَالمُمْتَنِعَا = وَمِثْلَ ذَا لِرُسْلِهِ فَاسْتَمِعَا