[الاستدلال بأسماء الله الحسنى على بطلان أقوال الضالين]
ـ[عبدالعزيز الداخل]ــــــــ[04 - 02 - 08, 09:40 ص]ـ
الحمدُ لِلَّهِ الذي لا إلهَ إلاَّ هوَ، لهُ الأسماءُ الحسنَى، والصفاتُ العُلَى، الكاملِ في ذاتِهِ وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ العظمَى، المُتَنزهِ عن النقائِصِ، والمعايِبِ، وسائرِ ما لا يليقُ بكمالِهِ الأعلَى، المتقدِّسِ عنْ أنْ يكونَ لهُ شريكٌ، أوْ نظيرٌ، أوْ شبيهٌ يُسَامِيهِ في المقامِ الأَسمَى، المستحقِّ لكمالِ الحُبِّ، والحمدِ، والتعظيمِ، والإجلالِ على الوجهِ الأوفَى.
فلهُ الحمدُ كلُّهُ، وبيَدِهِ الخيرُ كلُّهُ، وإليهِ يرجعُ الأمرُ كلُّهُ، لا إلهَ إلاَّ هوَ وَحدَهُ لا شريكَ لهُ في الآخرةِ والأُولَى.
خلقَ الخلقَ من العدَمِ، وأسبغَ عليهم النِّعَمَ، وتعرَّفَ إليهم بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وأظهرَ آثارَها في أوامرِهِ ومخلوقاتِهِ؛ ليستدِلَّ بها الموفَّقُونَ على وحدانيَّتِهِ وصِدْقِ رُسُلِهِ وآياتِهِ، ويعرِفوا بها كمالَ ربِّهِم وجلالَهُ وجمالَهُ.
والصلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وهدايَةً للسالكينَ، وحُجَّةً على الناكبينَ، نبيِّنَا محمَّدِ بنِ عبدِ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
أمَّا بعْدُ:
فإنَّ أشرفَ العلومِ وأفضَلَها، وأجَلَّهَا وأَنْبَلَها: عِلْمُ العبدِ برَبِّهِ تعالى وأسمائِهِ وصفاتِهِ وأحكامِهِ.
فهوَ العلمُ الجديرُ بأنْ تُصْرَفَ نفائسُ الأوقاتِ في تحصيلِهِ، وتُقَدَّمَ أعظمُ التضحياتِ في سبيلِ بلوغِهِ؛ فإنَّ ثمرَتَهُ لا تعدِلُها ثمرَةٌ، وحسرةَ حرمانِها لا تعدِلُها حسرةٌ، والحاجةَ إليهِ لا تعدِلُها حاجةٌ.
بلْ كلُّ علمٍ لا يُوصِلُ إليهِ ولا يُعِينُ عليهِ مَضْيَعةُ وقْتٍ، ومَجْلَبَةُ مقْتٍ.
وهلْ أشرفُ مِنْ عِلْمٍ: معلومُهُ بارئُ البَرِيَّاتِ، ومُبدعُ الكائناتِ، الذي لهُ الخلقُ والأمْرُ، بَهَرَ العقولَ ببديعِ خلقِهِ، وحارَت الألبابُ في حِكَمِ شَرْعِهِ، وأَنِسَت القلوبُ بلذيذِ مُناجاتِهِ، واستنارتْ بمعرفةِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، وشَرُفَتْ بعلمِ أحكامِهِ وتشريعاتِهِ، مَنْ ذِكْرُهُ أُنْسٌ، وطاعتُهُ غُنْمٌ، والزُّلْفَى لديهِ أغلى الأمنياتِ.
وهلْ أفضلُ مِنْ علْمٍ: منْ ثمراتِهِ رؤيَةُ الملكِ العلاَّمِ، ومرافقةُ خِيرةِ الأنامِ، في جَنَّةٍ قدْ زُيِّنَتْ بما تشتهيهِ الأنفسُ وتَلَذُّ الأعينُ، لا يخالطُ نعيمَها بؤْسٌ، ولا يُكَدِّرُ صفوَها شائبةُ كَدَرٍ، موضعُ سَوْطٍ فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها من الحُطامِ.
وهلْ أجلُّ مِنْ علْمٍ: هوَ أساسُ الإيمانِ، ومعقدُ الامتحانِ، ومِضْمارُ تسابُقِ الفُرْسانِ، السابقُ فيهِ هوَ السَّبَّاقُ ((مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً))، والحائدُ عنهُ هوَ المُعَذَّبُ الملهوفُ، المنقطِعُ الموقوفُ، قدْ خسِرَ خَسارةَ مَنْ لا يُسْتَصْلَحُ أمرُهُ، ولا يَنْجَبِرُ كسرُهُ، نعوذُ باللَّهِ العظيمِ من الخسرانِ.
وهلْ أَنْبَلُ مِنْ عِلْمٍ: يحملُ النفسَ على مكارمِ الأخلاقِ، ومحاسنِ الآدابِ، ويُخَلِّصُها منْ شَبَهِ الأنعامِ، وأخلاقِ سَفَلَةِ الأنامِ، يُهَذِّبُ النفسَ فَتَزْكُو، ويُطَهِّرُ القلبَ فيسْمُو، ويُنَقِّي السَّريرةَ فتصْفُو، ويُنِيرُ البصيرةَ، ويَشْحَذُ الهِمَّةَ، بهِ يَسْلَمُ القلبُ، ويصحُّ العلْمُ، ويصلحُ العملُ، و تُحمدُ السيرةُ، وتَحسُنُ العاقبةُ، ويَجْمُلُ الذكرُ.
فلا جَرَمَ كانَ الاشتغالُ بهِ عُنوانَ السعادةِ والفلاحِ، والاشتغالُ عنهُ آيَةَ الشقاوةِ والهلاكِ.
قالَ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللَّهُ تعالى في نُونِيَّتِهِ المُباركةِ:
والعلْمُ أقسامٌ ثلاثٌ ما لها = مِنْ رابعٍ والحقُّ ذُو تبيانِ
علمٌ بأوصافِ الإلهِ وفعلِهِ = وكذلكَ الأسماءُ للرَّحْمَنِ
والأمرُ والنهيُ الذي هوَ دينُهُ = وجزاؤُهُ يومَ المعادِ الثانِي
والكلُّ في القرآنِ والسُّنَنِ التي = جاءَتْ عن المبعوثِ بالفُرْقَانِ
فعلى قدرِ علمِ العبدِ بربِّهِ وعملِهِ بما يقتضيهِ ذلكَ العلمُ ترتفعُ درجتُهُ، وتسْمُو هِمَّتُهُ، وتزْكُو نفسُهُ، ويُثْمِرُ غرسُهُ؛ فإنَّ الدنيا مزرعةُ الآخرةِ، وإنَّما صلاحُ العبادةِ بصلاحِ العلْمِ؛ فالعلمُ باللَّهِ أصلُ الدينِ كلِّهِ.
¥