(( ... ومنها قول الشافعى رضى الله عنه حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال كساها ثوب الإجمال وسقط منها الاستدلال ونقل عنه أيضا ترك الاستفصال فى حكاية الحال مع قيام الاحتمال ينزل منزلة العموم فى المقال ويحسن بها الاستدلال واختلفت أجوبة الفضلاء عن ذلك فمنهم من يقول هذا مشكل ومنهم من يقول هما قولان للشافعى وجمع القرافى فى كتبه بينهما فقال الاحتمالات تارة تكون فى كلام صاحب الشرع فتقدح وتارة تكون فى محل مدلول اللفظ فلا تقدح فحيث قال الشافعى رضى الله عنه إن حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط منها الاستدلال مراده إذا استوت الاحتمالات فى كلام صاحب الشرع ومراده أن حكاية الحال إذا نزل فيها الاستفصال تنزل منزلة العموم فى المقال إذا كانت الاحتمالات فى محل المدلول دون الدليل والله أعلم))
قلت: وينبغي أن يفرق بين صيغتين للقاعدة:
1 - وقائع الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال
2 - و الدليل إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال
فالثانية بهذا الإطلاق فيها نظر لا يخفى إذ لا يخلو دليل من تطرق احتمال، بخلاف الأولى. وما إخال أحدا من أهل العلم قصد الإطلاق عند استعمال القاعدة، فتأمل كلامهم ..
وقد قال صاحب تحفة الأحوذي 4/ 247:
((قال صاحب التعليق الممجد: واعتذر أصحاب مالك عن حديث أم سلمة الدال صريحا على التخيير بأن مالكا رأى ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خص في النكاح بخصائص فاحتمال الخصوصية منع من الأخذ به، وفيه ضعف ظاهر لأن مجرد الاحتمال لا يمنع الاستدلال انتهى قلت: الأمر كما قال صاحب التعليق الممجد)) اهـ النقل عن تحفة الأحوذي
فهو هنا يبطل القاعدة لضعف الاحتمال مع أنه يستعملها في مواضع أخرى كثيرة، منها:
تحفة الأحوذي ج: 1 ص: 174
قلت يحتمل أن يكون غرض عمر من قوله لا تخبرنا أن كل ذلك عندنا سواء أخبرتنا أو لم تخبرنا فلا حاجة إلى إخبارك وعلى هذا حمل المالكية والشافعية قوله لا تخبرنا .. وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال
تحفة الأحوذي ج: 2 ص: 9
ومنها أن الحديث ليس بنص على أنه صلى الله عليه وسلم جمع أهله فصلى بهم في منزله بل يحتمل أن يكون صلى بهم في المسجد وكان ميله إلى منزله لجمع أهله لا للصلاة فيه وحينئذ يكون هذا الحديث دليلا لاستحباب الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة لا لكراهتها فما لم يدفع هذا الاحتمال كيف يصح الاستدلال
تحفة الأحوذي ج: 2 ص: 352
وأيضا يحتمل أن عمر رضي الله عنه كان يرى أن من حدث به هذه الحادثة فله أن يستأنف الصلاة وله أن يبني ولم ير ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم واجبا فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال
تحفة الأحوذي ج: 3 ص: 326
قلت في الاستدلال بهذا الحديث على عدم كراهة صوم الدهر نظر لأنه يحتمل أن يكون المراد من قوله إني رجل أسرد الصوم أي أكثر الصيام كما يدل عليه قوله وكان كثير الصيام فما لم ينتف هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال
الخ والله أعلم
ـ[عصام البشير]ــــــــ[20 - 03 - 02, 12:17 م]ـ
ومن النقول عن فتح الباري:
4/ 364
ويحتمل أن تكون (أو) شكا من الراوي لا تخييرا وإذا وقع الاحتمال في هذه الروايات لم يصح الاستدلال بشيء منها فيرجع إلى الروايات التي لم يختلف فيها وهي التمر فهي الراجحة
قلت: تأمل هذا النقل جيدا ..
5/ 131
واستدل به على أن من قام عن غيره بواجب فله الرجوع عليه وإن لم يكن أذن له في القيام عنه قاله بن المنير أيضا وفيه نظر لأن صحته تتوقف على عدم الإذن وهو هنا محتمل فلا يتم الاستدلال مع قيام الاحتمال
8/ 198
ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال فكيف يكون مقدما على النص الصريح بأنها صلاة العصر
9/ 215
قلت وفي أخذ هذا الحكم من هذه القصة نظر لاحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يتحقق على جلية أمرها أو أخبره بذلك من حضر مجلسه ممن يعرفها ومع هذا الاحتمال لا ينتهض الاستدلال به
قلت: ليت أحد طلبة العلم المشاركين في المنتدى يقوم بطباعة كل ما كتب هنا حول هذه القاعدة ثم يعرضه على أحد العلماء المتخصصين في علم أصول الفقه، إذ العمدة عليهم في مثل هذه المسائل، ثم يأتينا بحل الإشكال، وفصل المقال،
وإلا فأكثر ما كتب هنا من اجتهادات يتطرق إليها الاحتمال، فسقط بها الاستدلال ;) ;)
ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[20 - 03 - 02, 04:21 م]ـ
يظهر لى والله اعلم ان هذه القاعدة من وضع المتكلمين ... فقد ميزوا بين الدليل العقلى القطعي وبين الدليل النقلى الظنى ... فالقطعي العقلى عندهم لا يتطرق اليه الاحتمال .. أما الدليل النقلى فإن كان لفظيا فهو لا بد احتمالي .. يقولون "لا بد" لأن اللغة عندهم لا تفيد القطع بسبب دخول الاحتمال اليها من عشرة وجوه كما عددها مشهورهم ابن الخطيب الرازي منها احتمال المجازواحتمال الاضمارواحتمال التخصيص .... وغيرها .. ولا يخفى ان هذه القاعدة فاسدة .. اذ من لوازمها عدم الثقة فى النصوص الشرعية ... والقرآن نفسه عند المتكلمين قطعي الثبوت فقط أما دلالات ألفاظه فهى جميعا احتمالية فما من معنى افترضته الا وجازلخصمك ان يدعي المجاز ان ادعيت الحقيقة وان يدعى الخصوص ان ادعيت العموم وان يدعى الاضمار ان ادعيت الظهور وهلم شرا ...
ويلزم إذن من قاعدة" الدليل اذا تطرق اليه الاحتمال سقط به الاستدلال" ان القرآن يسقط الاستدلال به .. والأولى اسقاط هذه القاعدة الماكرة.
¥