- فلا يخلو من أن يشتهر قوله و يوافقه سائر الصحابة على ذلك.
- أو يخالفوه.
- أو لا يشتهر أو لا يعلم اشتهر أم لم يشتهر.
فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابة فهو إجماع ([49]).
وإن اشتهر فخالفوه فالحجة مع من سعد بالدليل.
وحينئذٍ الحجة فيه لا في كونه قول صحابي.
وإن لم يشتهر قوله أولم يعلم هل اشتهر أم لا؟. فهذا هو موطن النزاع.
والذي عليه العلماء السابقون و الأئمة المتبوعون أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى – و جمهور أصحابهم أنه حجة.
قال أبوحنيفة ([50]) – رحمه الله -: إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا. انتهى
وقال ([51]) – أيضاً -:- (ما بلغني عن صحابي أنه أفتى به فأقلده ولا أستجيز خلافه).
وقال ([52]) – أيضاً-:- (عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة؛ فإنها بدعة).
بل قال فيمن هو دونهم:- (من كان من أئمة التابعين وأفتى في زمن الصحابة وزاحمهم في الفتوى و سوغوا له الاجتهاد، فأنا أقلده، مثل شريح، و الحسن، ومسروق بن الأجدع، وعلقمة) ([53]).
وعن أبي يوسف قال ([54]): سمعت أبا حنيفة يقول: إذا جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الثقات أخذنا به، فإذا جاء عن أصحابه لم نخرج عن أقاويلهم، فإذا جاء عن التابعين زاحمتهم.
قال محمد بن حمدان بن الصباح ([55]):- ( ... وكان إذا وردت عليه مسألة فيها حديث صحيح اتبعه، و إن كان عن الصحابة والتابعين، وإلا قاس وأحسن القياس).
وقال الحسن بن صالح ([56]): كان أبو حنيفة شديد الفحص عن الناسخ من الحديث والمنسوخ فيعمل بالحديث إذا ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه.
و قد اتضح تمسكه بهذا الأصل في تطبيقاته الفقهية حيث قال ([57]): من رغب عن سيرة علي رضي الله عنه في أهل القبلة فقد خاب وخسر.
وقال ([58]) – أيضاً –: ما ملكت أكثر من أربعة آلاف درهم منذ أكثر من أربعين سنة إلا أخرجته، وإنما أمسكها لقول علي رضي الله عنه: (أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة؛ ولولا أني أخاف أن ألجأ إلى هؤلاء ما تركت منها درهماً واحداً)
قال نعيم بن حماد ثنا ابن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول ([59]):- إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين. وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم. وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم.
وأما جمهور الحنفية ([60]) فهم على قول إمامهم.
وأما الإمام مالك ([61]) –رحمه الله - فتصرفه في "موطئه " دليل على أنه يرى أن قول الصحابي حجة ([62]).
قال الشاطبي –رحمه الله – في الموافقات ([63]):- (ولما بالغ مالك في هذا المعنى –أي اتخاذ الصحابة قدوة وسيرتهم قبلة – بالنسبة إلى الصحابة أو من اهتدى بهديهم واستن بسنتهم جعله الله تعالى قدوة لغيره في ذلك، فقد كان المعاصرون لمالك يتبعون آثاره ويقتدون بأفعاله، ببركة اتباعه لمن أثنى الله ورسوله عليهم وجعلهم قدوة).
قال العلامة الفقيه حسن بن محمد المشاط المالكي في كتابه (الجواهر الثمينة في بيان أدلة عالم المدينة) ([64]): وهذا هو المشهور عن مالك.
وأما الإمام الشافعي –رحمه الله – فمنصوص قوله قديماً وحديثاً هو أن قول الصحابي حجة ([65]).
فقد قال رحمه الله في كتابه الأم ([66]) –و هو من الكتب الجديدة -:-ما كان الكتاب أو السنة موجودين، فالعذر على من سمعهما مقطوع إلا بإتباعهما. فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو واحد منهم. ثم كان قول الأئمة:- أبي بكر أو عمر أو عثمان - رضي الله عنهم - إذا صرنا فيه إلى التقليد، أحب إلينا، وذلك إذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على أقرب الاختلاف من الكتاب والسنة، فنتبع القول الذي معه الدلالة؛ لأن قول الإمام مشهور بأنه يلزمه الناس، ومن لزم قوله الناس كان أشهر ممن يفتي الرجل أو النفر، وقد يأخذ بفتياه ويدعها، وأكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم
¥