ومجالسهم، ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الإمام، وقد وجدنا الأئمة ينتدبون، فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما أرادوا و أن يقولوا فيه، ويقولون، فيخبرون بخلاف قولهم، فيقبلون من المخبر، ولا يستنكفون عن أن يرجعوا لتقواهم الله، وفضلهم في حالاتهم، فإذا لم يوجد عن الأئمة، فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الأمانة، أخذنا بقولهم، وكان اتباعهم أولى بنا من اتباع من بعدهم.
ثم قال:- والعلم طبقات.
الأولى:- الكتاب والسنة، إذا ثبتت السنة.
الثانية:- الإجماع فيما ليس فيه كتاب ولا سنة
الثالثة:- أن يقول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نعلم له مخالفاً منهم.
الرابعة:- اختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم.
الخامسة:- القياس على بعض هذه الطبقات) انتهى كلامه ([67]).
قال ابن القيم ([68]) رحمه الله تعالى:- (هذا كله كلامه في الجديد.
ثم قال: قال البيهقي ([69]) - بعد أن ذكر الكلام السابق، وفي الرسالة القديمة للشافعي بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم - قال:- وهم فوقنا في كل علمٍ واجتهادٍ وورعٍ وعقلٍ أمر استدرك فيه علم أو استنبط وآراؤهم لنا أجمل و أولى بنا من رأينا ومن أدركنا ممن نرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا أو قول بعضهم إن تفرقوا. وكذا نقول ولم نخرج من أقوالهم كلهم.
قال البيهقى ([70]):- وقال في موضع آخر:- فإن لم يكن على القول دلالة من كتابٍ ولا سنةٍ كان قول أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي أحب إليّ أن أقول به؛ من قول غيرهم إن خالفهم من قبل أنهم أهل علم، وحكام .... فإن اختلفوا صرنا إلى القول الذي عليه دلالة وقلّ ما يخلو اختلافهم من ذلك. وإن اختلفوا بلا دلالة نظرنا إلى الأكثر. فإن تكافؤا نظرنا إلى أحسن أقاويلهم مخرجاً عندنا. وإن وجدنا للمفتين في زماننا أو قبله اجتماعاً في شيء لا يختلفون فيه تبعناه. وكان أحد طرق الأخبار الأربعة، وهي كتاب الله ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم القول لبعض أصحابه،ثم اجتماع الفقهاء.
فإذا نزلت نازلةٌ لم نجد فيها واحدةً من هذه الأمور فليس في الكلام في النازلة إلا اجتهاد الرأي. فهذا كلام الشافعي رحمه الله ورضي عنه بنصه).
قال ابن القيم ([71]) –رحمه الله -:- ونحن نشهد بالله أنه لم يرجع عنه بل كلامه في الجديد مطابق لهذا موافق له.
و قال ([72]) – أيضاً -:- (أما القديم فأصحابه مقرون به وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة.
وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جداً؛ فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة وغاية ما يتعلق به من نقل ذلك أنه يحكي أقوالاً للصحابة في الجديد ثم يخالفها؛ ولو كانت عنده حجة لم يخالفها.
وهذا تعلق ضعيف جداً؛ فإن مخالفة المجتهد الدليل المعين لما هو أقوى في نظره منه لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة. بل خالف دليلاً لدليلٍ أرجح عنده منه.
وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر أقوال الصحابة موافقاً لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الأقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر.
وهذا - أيضاً - تعلق أضعف من الذي قبله. فإن تظاهر الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديماً وحديثاً ولا يدل ذكرهم دليلاً ثانياً وثالثاً على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل). انتهى كلامه رحمه الله.
قال الربيع بن سليمان ([73]):- (قال الشافعي: لا يكون أن تقول إلا عن أصل، أو قياس على أصل.
والأصل: كتاب أو سنة، أو قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع الناس).
قال يونس بن عبدالأعلى ([74]):- (قال لي محمد بن إدريس الشافعي: لا يقال للأصل: لم ولا كيف).
وقد أطلت النقل عن الإمام الشافعي في تقرير مذهبه لأني قد رأيت جلّ من كتب في علم أصول الفقه ينسب إليه قولاً جديداً وهو عدم قوله بحجية قول الصحابي بناء على بعض تخريجات بعض المنتسبين إلى مذهبه أخذاً من تصرفات الإمام نفسه مع بعض الأدلة.
¥