عن عويم بن ساعدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تبارك وتعالى اختارني، واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم وزراء، وأنصاراً، وأصهاراً، فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل) ([41])
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلست في عصابة من فقراء المهاجرين … الحديث، وفيه: فقال رسول الله صلى عليه وسلم: (أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة، تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم، وذاك خمسمائة عام) ([42])
عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتادنا ([43])، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم. لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار) ([44])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(قريش و الأنصار وجهينة ومزينة و أسلم وغفار وأشجع، موالي ليس لهم مولىً دون الله ورسوله) ([45])
وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عشرة في الجنة: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعيد بن مالك في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة) وسكت عن العاشر، قالوا: ومن هو العاشر؟ فقال: ((سعيد بن زيد)) – يعني نفسه -.
ثم قال: لموقف أحدهم مع رسول الله صلى الله عليه سلم يَغبَرُّ فيه وجهه خير من عمل أحدكم، ولو عُمِّر عُمُرَ نوح) ([46])
المبحث الرابع: في حجية قول الصحابي
من المستحسن قبل الشروع في ذكر الخلاف في حجية قول الصحابي، وتحرير موطن النزاع فيه أن أُبَيِّن ما المراد بقول الصحابي.
فأقول - وبالله التوفيق - إن المراد بقول الصحابي ([47]):- هو ما ثبت عن أحد من الصحابة - ولم تكن فيه مخالفة صريحة لدليل شرعي - من رأي أو فتوى أو فعل أو عمل اجتهادي في أمر من أمور الدين.
وتسمى هذه المسألة عند الأصوليين بأسماء منها:- قول الصحابي أو فتواه أو تقليد الصحابي أو مذهب الصحابي.
بل ذهب الشاطبي ([48]) - رحمه الله - إلى أن السنة تطلق على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد، لكونه اتباعاً لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهاداً مجتمعاً عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع - أيضاً - إلى حقيقة الإجماع.
وبناء على ما سبق فإن الصحابي إذا قال قولاً:-
- فلا يخلو من أن يشتهر قوله و يوافقه سائر الصحابة على ذلك.
- أو يخالفوه.
- أو لا يشتهر أو لا يعلم اشتهر أم لم يشتهر.
فإن اشتهر قوله ووافقه الصحابة فهو إجماع ([49]).
وإن اشتهر فخالفوه فالحجة مع من سعد بالدليل.
وحينئذٍ الحجة فيه لا في كونه قول صحابي.
وإن لم يشتهر قوله أولم يعلم هل اشتهر أم لا؟. فهذا هو موطن النزاع.
والذي عليه العلماء السابقون و الأئمة المتبوعون أبوحنيفة ومالك والشافعي وأحمد – رحمهم الله تعالى – و جمهور أصحابهم أنه حجة.
قال أبوحنيفة ([50]) – رحمه الله -: إني آخذ بكتاب الله إذا وجدته، فما لم أجده فيه أخذت بسنة رسول الله والآثار الصحاح عنه التي فشت في أيدي الثقات عن الثقات، فإذا لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من شئت ثم لا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فإذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي والحسن وابن سيرين وسعيد بن المسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا. انتهى
وقال ([51]) – أيضاً -:- (ما بلغني عن صحابي أنه أفتى به فأقلده ولا أستجيز خلافه).
وقال ([52]) – أيضاً-:- (عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة؛ فإنها بدعة).
بل قال فيمن هو دونهم:- (من كان من أئمة التابعين وأفتى في زمن الصحابة وزاحمهم في الفتوى و سوغوا له الاجتهاد، فأنا أقلده، مثل شريح، و الحسن، ومسروق بن الأجدع، وعلقمة) ([53]).
¥