تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فمن ضوابط المصلحة المرسلة في الشريعة الإسلامية (**):

1) أن لا تكون المصلحة موهومة؛ بحيث تكون مفاسدها غالبة على مصالحها؛ فتعد المصلحة المرجوة من تقرير الحكم بإزاء المفاسد المترتبة عليها في حكم الأوهام، أو معارضة للنص؛ فإنها في حكم المصلحة الموهومة!!

ومن أمثلة المصلحة الموهومة: إحلال الربا، المسمى زورا بالفوائد الربوية، وهي وإن كانت في الأصل ملغاة.

ومنه: تسليم المجاهدين للكفار، بدعوى أن في تسليمهم مصلحة كف القتال عن المسلمين، فهذه مصلحة موهومة ليست حقيقية، برهنت الأيام وهمها، وزيفها.

ومنها جواز التضحية بمأكول اللحم، عدا بهيمة الأنعام.

ومنها نقل صلاة الجمعة إلى يوم الأحد في بلاد النصارى؛ لتجميع أكبر عدد من المسلمين.

وتجويز الاستنساخ.

فكل هذه مصالح ملغاة؛ إما لمصادمتها النص، أو لمعارضتها مصالح أهم منها، وعلى الأمرين؛ فهي موهومة.

ومن أمثلة المصالح المتحققة: جمع المصحف.

قال الشاطبي: " جمع المصحف كان مسكوتا عنه في زمانه عليه الصلاة والسلام ثم لما وقع الاختلاف في القرآن وكثر حتى صار أحدهم يقول لصاحبه أنا كافر بما تقرأ به صار جمع المصحف واجبا ورأيا رشيدا في واقعة لم يتقدم بها عهد فلم يكن فيها مخالفة وإلا لزم أن يكون النظر في كل واقعة لم تحدث في الزمان المتقدم بدعة وهو باطل باتفاق لكن مثل هذا النظر من باب الاجتهاد الملائم لقواعد الشريعة وإن لم يشهد له أصل معين.

وهو الذي يسمى المصالح المرسلة وكل ما أحدثه السلف الصالح من هذا القبيل لا يتخلف عنه بوجه وليس من المخالف لمقصد الشارع أصلاً".

2) الضابط الثاني للمصلحة: أن تكون المصلحة عامة، وليست خاصة، بمعنى أن تكون المصلحة التي يُحتج للحكم بها تعود على عامة الأمة بالمنفعة - سواء بجلب منفعة لهم أو دفع مضرة عنهم-، وليست خاصة بأفراد، سيما إن كانت مصلحة الأفراد تغلب على مصلحة عامة الأمة.

واعتبر هذا بمنع الصيد، وهو ما يُسمى اليوم بالمحميات، فهذا المنع إن كان لمصلحة الأمة كاملة، بأن يُحافظ من خلاله على نسل بعض الحيوانات من الانقراض، فهو مصلحة معتبرة، رغم أن الصيد مباح في الأصل.

وأما إن كان من باب الاحتكار للكبراء فقط؛ فهذه مصلحة خاصة لا عبرة فيها.

3) الضابط الثالث للمصلحة: أن تكون في باب المعاملات- وما يتفرع عنها - لا العبادات، ولا الاعتقادات، ولا الأعياد، ولا المقدرات، ولا أصول الأخلاق التي بُعثت بها الرسل.

فكل ما كان من قبيل الكمالات، والتحسينات فيما سوى الأنواع الأربعة السابقة؛ كان من المصالح المرسلة، لا من باب الإبتداع.

فهنا يدخل جميع المخترعات الحديثة التي حسنت، وسهلت حياة الناس، فهذه ليست من البدع الشرعية بحال.

وأما إن وقعت بأمر تعبدي؛ فهي بدعة، نحو:

المولد النبوي، فقد عُدَّ بدعة لتحقق الاختراع فيه في أمر يتعلق بالأعياد؛ وهي محصورة بالنص.

وكذا الحال بالنسبة للصلوات المبتدعة؛ كصلاة الرغائب، وغيرها.

الضابط الرابع للمصلحة: أن لا تخالف إجماعاً صحيحاً؛ لأن الإجماع الصحيح قطعي الثبوت والدلالة؛ لأن مستنده النقل المستفيض المحفوف بعمل السلف، وأما المصالح المرسلة فليست بقطعية الدلالة.

وذلك نحو: الصلاة ماموماً خلف المذياع.

أخيراً لا بد من التفريق بين بابي المصالح والبدع:

وهذا يظهر من خلال الأمور التالية:

أولاً: أعلم أن باب المصالح هو في المعاملات كما سبق؛ ولا وقوع له في أبواب العبادات إطلاقاً؛ فمتى رأيت من يستدل لإحداث عبادة بالمصالح؛ فاعلم أنه مدلس، وملبس!!

كما إن البدع لا تقع إلا في الاعتقادات، والعبادات، والأعياد - على الراجح من أقوال العلماء.

ثانياً ": أن ما كان من أبواب المعاملات، والعادات، فهذا ينظر فيه من جهتين:

الجهة الأولى: أن يكون مما تكلم فيه الشرع، فلا كلام فيه.

الجهة الثانية: أن يكون مما سكت عنه الشرع، سواء كان موجوداً في زمنه صلى الله عليه وسلم – أم لا.

قال الشاطبي: " ما سكت عنه في الشريعة على وجهين:

أحدهما: أن تكون مظنة العمل به قائمة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلم يشرع له أمر زائد على ما مضى فيه؛ فلا سبيل إلى مخالفته لأن تركهم لما عمل به هؤلاء مضاد له فمن استلحقه صار مخالفا للسنة .... ".اهـ

وهذه التي يسميها شيخ الإسلام في الإقتضاء: وجود المقتضى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير