و لا إريد أن أخوض بالعلم تعريفا كما عرَّفه من قبلي لأن ذلك يقتضي مني شرح ما أقوله جزئية جزئية ولكن أقول بإيجاز علم المنطق يبحث في المعقولات والتعريفات وطرق القياس السليمة وغير ذلك فالتعريفات عندهم يجب أن تكون حدودا بمعنى أن لا يستطيع أحد أن يقول إن هذا التعريف لا يطابق المعرَّف وتعبيرهم جامع لكل ما عرَّفه مانع من دخول شيء غيره فيه أو دخلوه في غيره ويدخل هذا في جميع العلوم فالذي يريد أن يعرف شيئا في الأصول أو الفقه أو أي علم لا بد أن ينضبط تعريفه بما ذكرته لك ومن مباحثه المهمة القياس وأقسامه وبيان الفاسد من السقيم فيه وأضرب مثلا على القياس
احذف من الجمل الثلاثة الآتية كل وبعض وما شابها واحذف المكرر أيضا واقرأها على أنها جملة واحدة
النباش يأخذ المتاع من حرز غيره خفية
وكل من يأخذ المتاع من حرز غيره خفية سارق
وكل سارق تقطع يده
فستخرج بعد حذف ما ذكرته بهذه الجملة النباش تقطع يده
وقد ينقض هذا القياس بأن لا يسلم بأن المتاع الذي أخذه النباش أخذه من حرز وهكذا الاستدلال
فيدخل القياس في كل علم فدخل هنا في الجدل الفقهي كما ترى
ولكن علم الكلام لا يتدخل إلا بالاستدلالات العقائدية من إثبات الواحد سبحانه ونفي الشريك عنه والرد على الفرق الضالة ولكن فيه منزلقا خطيرا والأولى التسليم بهذه الأمور دون الخوض وتحكيم العقل في ما لا ييمكن أن يدركه من الغيبيات وقد استخدمه كثير من أعلام المسلمين وأذكر لك قصة قصيرة وهي هذه
مشى الفخر الرازي رحمه الله يوما ففسح الناس عن طريقه إجلالا وتعظيما وبقيت عجوز تمشي ولم تَعْبَهْ به فقيل لها ابتعدي أياها العجوز فإنه الإمام الذي أوجد ألف دليل على إثبات وحدة الله سبحانه فقالت والله لو لم يكن في قلبه ألف شك لما وجد ألف دليل فسلم بما قالت وقال اللهم ارزقنا إيمان العجائز وقد كان شيخ شيخ شيخي العلامة محمد جلي زادة رحمه الله يوصي طلابه بعدم الخوض في علم الكلام كما أخبرني بذلك شيخي العلامة السيد طاهر البرزنجي حفظه اللله فهما متغايران إلا أن المنطق يدخل في علم الكلام كما يدخل غيره من العلوم كما أشرت لك مسبقا أرجو أن يكون هذا الشرح وافيا كافيا وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل وأن أكون قد أوصلت لك ولو بعض ما تنشده. نبهني الله وإياك من غفلة الغافلين وحشرنا تحت لواء سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وأسألك الدعاء.
ـ[أبو علياء الغمارى]ــــــــ[08 - 03 - 07, 08:10 م]ـ
مقالات ابن حزم فى المنطق تختلف عن باقى المشتغلين به من المسلمين كالغزالى وابن رشد وغيرهم ... فهو قد قام بأسلمة العلم ونفى ما يخالف الشرع فيه وجعله وسيلة لفهم النصوص الشرعية ... راجع التقريب لحد المنطق ...
يقول الأستاذ احسان عباس فى مقدمة تحقيقه للتقريب:
((- دواعي تأليفه
قضى ابن حزم جانبا من شبابه وهو يطلب العلم في قرطبة حتى سنة 401. وقد أثر في نفسه في ذلك الدور المبكر من حياته ما سمع بعض الأغرار يقولونه في المنطق والعلوم
الفلسفية عامة دون تحقيق، وأولئك هم اللذين عناهم بقوله: " ولقد رأيت طوائف من الخاسرين شاهدتهم أيام عنفوان طلبنا، وقبل تمكن قوانا في المعارف، وأول مداخلتنا صنوفا من ذوي الآراء المختلفة، كانوا يقطعون بظنونهم الفاسدة من غير يقين أنتجه بحث موثوق به على ان الفلسفة وحدود المنطق منافية للشريعة " ولعل بيئة قرطبة والأندلس عامة - يومئذ بمعاداتها لعلوم الأوائل - هي التي حفزت حب الاستطلاع لديه فجعلته يدرس الفلسفة والمنطق، ومن ثم قوي لديه الشعور بأن العلوم الفلسفية لا تنافي الشريعة، بل ان المنطق منها خاصة يمكن أن يتخذ معيارا لتقويم الآراء الشريعية وتصحيحها، وكان اتجاهه إلى مجادلة أهل المذاهب والنحل الأخرى يفرض عليه أن يتدرع بقوة منطقية في المناظرة والجدل. وهاتان الغايتان كانتا من أول العوامل التي حدت به إلى التأليف في المنطق ليثبت عدم التنافي بينه وبين الشريعة وليعزز به موقفه العقلي إزاء الخصوم ويضع فيه القواعد الصحيحة للجدل والمناظرة ويبين فيه حيل السفسطة والتشغيب.
¥