تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

(19).

وإذا كان الأمر كما ذكر فينبغي البحث عن البديل، وما قدمه الدكتور الترابي بديلاً عن الإجماع، بحسب الصورة المذكورة في كتب الأصول،وهو اتفاق المجتهدين من أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – في عصر من العصور على حكم شرعي أو ديني، أقول: ما قدمه الدكتور الترابي يُعَدّ بديلا غير مقبول. فهو يرى أن نتائج الاجتهاد وفق الفقه الإسلامي التقليدي تحتاج إلى ضبط، لأن سعتها تؤدي إلى تباين المذاهب والآراء والأحكام، ولهذا فهي تحتاج إلى الضبط. وأهم الضوابط في رأيه هي أن يتولى المسلمون بسلطان جماعتهم تدبير تسوية الخلاف، وردُّه إلى الوحدة. ويتم ذلك بالشورى والاجتماع، يتشاور المسلمون في الأمور الطارئة في حياتهم العامة، فالذي هو أعلم يبصّر من هو أقل علماً، والذي هو أقل علماً يلاحق في المسألة من هو أكثر علماً، ويدور بين الناس الجدل والنقاش حتى ينتهي في آخر الأمر إلى حسم القضية، إما بأن يتبولر رأي عام، أو قرار يجمع عليه المسلمون أو يرجحه جمهورهم أوسوادهم الأعظم، (أو تكون مسألة فرعية غير ذات خطر يفوضونها إلى سلطانهم، وهو من يتولى الأمر العام، حسب اختصاصه بدأً من أمير المسلمين إلى الشرطي والعامل الصغير) (20). ويرى الدكتور الترابي أنه بهذه العملية (يمكن أن نرد إلى الجماعة المسلمة حقها الذي كان قد باشره عنها ممثلوها الفقهاء، وهو سلطة الإجماع. ويمكن بذلك أن تتغيّر أصول الفقه والأحكام، ويصبح إجماع الأمة المسلمة، أو الشعب المسلم، وتصبح أوامر الحكام كذلك أصلين في أصول الأحكام في الإسلام) (21).

ولا أظن أن مثل هذا الكلام يمكن أن يسلم به، أو أن يصيح بديلاً عن الإجماع، وكيف يمكن أن يدخل العوام والجهلة وعموم الشعب في الاستفتاء على مسألة علمية، ينبغي أن تدخل في الأُطر العامة للتشريع، وأن لا تعارض النصوص غير القابلة للجدل.

وإذا كنا نرى أن الإجماع غير ممكن بالصورة المطلوبة في كتب الأصول، فإنه يمكن رد ذلك للمجامع الفقهية في البلاد الإسلامية، واعتماد الآراء الصادرة عنهم، سواء كانت بالإجماع، أو بالأغلبية، ولهذا فإني أرى أن رأي الشيخ عبد الوهاب خلاف رأي سديد وعملي.

وهذا أجدى من قول الترابي (فيمكن أن نحتكم إلى الرأي العام المسلم، ونطمئن إلى سلامة فطرة المسلمين، حتى لو كانوا جهالاً في أن يضبطوا مدى الاختلاف ومدى التفرق) (22). ولا أدري كيف يمكن أن يطمئن إلى فطرة الجهلة!!!

وبإزاء ذلك فإن هناك طائفة أخرى تدعي التجديد بوجه عام وتنصب نفسها مفسرة ومؤولة للآيات والأحاديث. وترى أن الشريعة مرحلية، وخاصة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، أو تجعل الواقع أساساً للأحكام وتقصر الآيات على أسباب النزول، فتقلب القاعدة الأصولية (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) إلى (العبرة بخصوص السبب لا بعموم اللفظ)، أو تحتال على النصوص بالتفسير المتعسّف، بغية تعطيلها، وإلغاء العمل بها، فرحة بأنها حققت إنجازاً علمياً دون الالتزام بضوابط الاجتهاد، وقواعد الأصول.

ويبدو أنهم في دعوتهم إلى التخلّص من ضوابط الاجتهاد يرسمون منهج الكاتب الإيرلندي برناردشو في قوله (إن القاعة الذهبية أن لا قاعدة). وقد يكون لما قال وجه في المجالات النقدية في الأدب، التي كان يمارس عمله فيها، ولكن ذلك لا يصلح في المجال الذي نحن بصدده، لان ذلك ستترتب عليه نتائج خطرة، ومضارّ لا حصر لها.

وأكتفي بأن أمثل لذلك بمحاولات التفسير والتوجيه التي خاض في مجالها طائفة من هؤلاء الساعين فيما يسمونه تجديداً، إن الذي صنعوه إنما هو نوع من التأويل البعيد، والذي لم يستوف الشروط. لقد فرق الأصوليون بين النص والظاهر، واعتبروا النص دالاً على معناه قطعاً، ومن غير احتمال لغيره. أما الظاهر فهو وإن دل على معناه، لكنه يحتمل غيره احتمالاً مرجوحاً، ولكونه احتمالاً مرجوحاً لا يجوز اللجوء إليه إلا بشروط، أهمها:

1 - أن يكون الناظر المتأول أهلاً لذلك، بأن يستوفي الشروط العلمية اللازمة للخوض فيما يخوض فيه.

2 - أن يكون اللفظ الظاهر محتملاً لما صرف إليه.

3 - أن يكون للمتأول الصارف للفظ عن معناه دليل يقصد به دلالة اللفظ على ما صرفه إليه من المعنى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير