تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهي شروط – فيما يبدو – تصلح مقياساً معقولاً ومقبولاً للتأويلات والتفاسير التي تذكر للنصوص الشرعية. واعتماداً عليها زيّفوا كثيراً من التأويلات البعيدة وغير المقبولة.

وهذا يبين مدى دقة علم أصول الفقه، واهتمامه بالضبط، وإعراضه عن الأمور الخفية المبهمة غير المنضبطة، الأمر الذي ضاق دعاة التجديد المطلق ذرعاً به؛ لتضييقه عليهم، وسدّه مجالات الانفلات عن الفهم الصحيح عليهم، فأعرضوا عنه وجاءوا بالغرائب التي تضحك من بعضها الثكلى، بدعوى تأويلها بما يوافق الواقع ومن هذه التأويلات الرامية إلى إلغاء الحدود الشرعية، والاعتماد على الواقع، والتوجهات الخاصة، ما ذكروه بشأن حدّ السرقة:

ففي أحد هذه التأويلات يذكرون أن المجتمع قبل عصر الرسالة كان بدوياً، ليس فيه سجون يوضع فيها السارق، فكانت العقوبة البدنية بالقطع مناسبة لذلك، لكونها تحقق أمرين:

الأول: تعطيل إمكانية السرقة.

والثاني: وسم السارق بعلامة تجعل الناس تعرفه، وتحذر منه.

ولما جاء عصر الرسالة لم يختلف المجتمع عما كان عليه، فأبقى الشارع قطع اليد حدّاً للسرقة، فصار حكماً شرعياً. ومعنى ذلك أنه لا يطبق هذا الحد في عالمنا المتمدِّن الذي فتحت فيه أبواب السجون، التي تمنع السارق من الهروب، وتحفظ للآخرين أموالهم، وتقيهم من أضراره (23).

وفي تأويل آخر أن النص القرآني لم ترد فيه عبارة (من سرق)، بل وردت فيه عبارة (السارق والسارقة) وهاتان الكلمتان وصفان لا فعلان، والوصف لا يتحقق في الشخص إلا بالتكرار، فلا يقال لمن ظهر منه الجود مرة، أو مرتين أنه (جواد)، ولا يوصف فرد بأنه (عاقل)، لأنه وجد يعقل مرة أو مرتين، بل يقصد به من قامت به صفة العقل. وعلى هذا فإن عقوبة قطع اليد هي للسارق الذي تكررت منه السرقة، أما من لم تتكرر منه فيمكن معاقبته بما يردعه عما هو فيه قطعاً (24).

ولا ندري كيف غاب هذا الفهم عن علماء السلف، من لدن عصر الصحابة حتى الآن،وهم الأعلم باللغة ودلالات ألفاظها من هذا المدعي.!

وإلى جانب من تقدم تبرز طائفة جريئة على الحق، مجاهرة بالرفض لما جاء في تراث هذه الأمة، لكنها ليست صنفاً واحداً، فمنهم من يظهر الإيمان بالله ورسوله، ويذكرهما بإجلال وتقدير، ولكنه يعرض عما جاء عنهما من الإحكام، أو يعطي لأحكامه تفسيراً عاماً ينسج على منواله، ومنهم من يكفر بالوحي والرسالة، أو يفسرهما بما يروق له.

فمن الصنف الأول سنكتفي بذكر شخصيتين، مع وجود الفرق بينهما، وذلك لاختصار أحدهما على جانب محدد، وهو خطير، ونشاط الثاني في مجالات متعددة، مبثوثة في كتبه ومحاضراته. أما أولهما فهو المستشار محمد سعيد العشماوي الذي يرفض أن يكون ما جاء عن الله ورسوله، أحكاماً صالحة للتطبيق على مر الزمان، ويفسر الشريعة تفسيراً مختلفاً عما يفهمه الناس، ويستدل باللغة اللاتينية، وبالمعاجم، وبالتوراة والإنجيل، على ما يرومه. فهو لا يرى، كما ذكر ذلك في كتابه (أصول الشريعة)، أن الشريعة هي الأحكام، وإنما هي المنهاج والطريق. يقول: (فالشريعة هي المنهاج الذي يهيمن على الأحكام، ويطبعها بطابعه،وليست هي الأحكام بحال من الأحوال). (25). ثم أخذ يخوض في تحديد معاني الشريعة المختلفة، فقال: لقد كانت شريعة أوروريس (ادريس) هي الدين. وكان الدين عنده هو الشريعة، الإيمان بالله والاستقامة ... وشريعة موسى هي الحقّ، فهي تضع الحقوق مع الواجبات وتحدِّد الجزاء لكل إثم، وتدعو لأعمال الواجبات، دون تحقيق، وتطبق الجزاءات بشدة. وشريعة عيسى هي الحب .. الحب الذي يدعو صاحب الحقّ ألا يبحث عن حقه، ومن له الحق في الجزاء ألا يفكر في الجزاء.

أحبوا أعداءكم.

باركوا لاعنيكم.

أحسنوا لمن يسيئ إليكم.

وشريعة محمد هي الرحمة، الرحمة التي تزاوج بين الحق والحب. وتمازج الجزاء بالعفو، والتعامل بالفضل والمعروف (26).

ثم يشرع بتفاسير عديدة للرحمة، ثم يذكر أن شريعة الإسلام، ومنهج القرآن، لا يمكن أن يكونا قد قصدا إلا الإنسان، ولقد خلق النص للإنسان، ولم يخلق الإنسان للنص.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير