تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فلا بد من وضع الضوابط والشروط لذلك ومن يُسمع قولُه ومن لا يُسمع قولُه في ذلك، فلا يكون الباب مفتوحاً على مصراعيه لكل من هب ودب من أنصاف المتعلمين والمارقين من الدين الذين لا يعظمون شعائر الله، وليس من حرية الفكر الذي يلوح بأعلامها دعاة الحرية أن يتولى إصدار الأحكام الشرعية من لا يكاد يقيم لسانه بفاتحة الكتاب فيفتي بشيء رآه في كتاب لا يدري قَصْدَ قائله ولا يعرف دليله، وقد يروي المنفي مثبتاً والمثبت منفياً فيعبر عن الشيء بضده ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وإنني أشاطر الأخ الدكتور حسن في دعوته للاجتهاد الجماعي لأن النظر الجماعي أسد والنتيجة فيه أحكم وأقرب للصواب والحق، بخاصة إذا خضعت الآراء للنقاش والمناظرات بهدف الوصول للحق لا لنصرة المذهب والرأي، كما أن هذا النقاش يؤدي إلى تقارب الآراء وتضييق هوة النزاع والاختلاف إذا خلصت النية ونبل الهدف والآراء لا يظهر لقائليها زيفها إلا إذا عرضت على الآخرين.

كما أنني أشاطره فيما دعا إليه من تدخل ولي أمر المسلمين بإلزام جماعة المسلمين بما رجح من الأقوال بعد النظر والنقاش في أبواب المعاملات بخاصة لأنه لا يقطع الشغب إلا هذا، ولو ترك كل قاضٍ وما توصل إليه أصبح الناس في شغب وفوضى كل يريد أن يتحاكم إلى القاضي الذي يظن أن حكمه يوافق مصلحته،وهذا بشرط أن يكون مَن ولي أمر المسلمين ممن كان هواه تبعاً لما ورد عن الله سبحانه، وأما أمور العبادات وعلاقة الناس بربهم فكل يتعبد الله بما رجح عنده ولذا حرَّم العلماء على المجتهد تقليد مجتهد آخر ويجب عليه العمل بموجب اجتهاده إلاَّ إذا كان للأمر التعبدي دليل واضح ويترتب على مخالفته مفسدة كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في توعد من يخالف العمل بحديث التقاء الختانين الذي روته عائشة ومن يقول بمتعة الحج ومتعة النساء.

وقد يكون مما يحتاج إلى النظر ما يجرح به الشاهد والراوي مما ذكر في كتب المتقدمين من الأصوليين مما هو مأخوذ من العرف ولم يرد فيه نص وخاصة وأن الأعراف تتغير وتتبدل فما كان جارحاً عند قوم لا يكون جارحاً عند آخرين.

وأما ما دعا إليه الأخ الدكتور حسن من العمل بالقياس الفطري الحر من تلك الشرائط المعقدة التي وضعها له مناطقة الإغريق وتلقفها علماء أصول الفقه فإنني لا أوافقه على هذه الدعوة لأن القياس الفقهي يختلف تمام الاختلاف عن المنطق الصوري ولا يمت له بصلة لا في ماهيته ولا شروطه وأركانه فالمنطق الصوري مبني على إدراج جزئي تحت كلي وهم يدعون أن نتائجه قطعية إذا رتبت المقدمات ترتيباً صحيحاً لا يمكن أن تختلف النتيجة فيه.

وأما القياس الفقهي فهو مبني على إلحاق فرع بأصل يوجد له حكم ثابت لوجود وصف جامع بينهما يسمى العلة وهو ظني النتيجة إلاَّ إذا كان الفرع في معنى الأصل تماماً.

وما وضعه علماء الأصول له من شروط وأركان وقوادح فإنها مرنة جداً يستطيع أن يتعامل معها كل مجتهد بما يتناسب مع مذهبه من التوسع في التطبيق أو عدم التوسع،والذي يخشى من تقليل ضوابطه وشروطه أضعاف أضعاف ما يخشى من الضوابط والشروط الموضوعة، فتجريده من القيود والشروط كلاً أو جزءاً عاقبته وخيمة قد تتخذ ذريعة للمروق من الدين أعاذنا الله وإخواننا المسلمين من ذلك.

وقد بنى الأخ الدكتور حسن على قاعدة استصحاب حال البراءة الأصلية وأن الأصل في الأفعال الحل أن كل ما تطوقه المؤمن يقصد به وجه الله عبادة مقبولة ص 28 فقد يكون لهذه العبارة محملاً صحيحاً ولكن الناس قد تتعلق بظواهر الألفاظ وتستعمل العموم الذي فيها وإن لم يكن مقصوداً لقائله فقد تُوهم هذه العبارة أن الأمر على إطلاقه فيجد الصوفي في العبارة ما يبرر ما استحدثه من عبادات لم يقم عليها دليل شرعي ولذا أحببت أن أنبه أن هذا العموم مقيد في العبادات بقيود كقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) ولقوله للنفر الثلاثة الذين استقالّوا عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني) وغير هذه كثير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير