تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد طور…

حاجتنا لمنهج أصولي

لقد استجابت الحركة الاسلامية الحديثة لهذه التحديات الفكرية استجابات شتى، فمن الناس من يؤثر الا يلتزم بمنهج مقيد بل يظل طليقا ينتقي من الآراء ما يناسبه ويتخذ مصادر فكره وطرائقه حيث شاء في صفحات الكتب. ويعرض آراءه حسبما يتناسب مع الموقف في اطار الالتزام بالاسلام عامة. وأقل ما يقال في هذا المذهب انه لا يعتمد البناء على منهج اصولي مقرر مهما قدرنا ان الاستقراء يكشف لكل مفكر مذهبا أصوليا خاصة لو كانت الافكار تترتب بغاير وعي كامل. وبعض الناص يتخذ منهجا واسعا لا ينطلق الا من روح الاسلام العامة ومقاصد الدين الكلية، ويرى الرأى الذي تقتضيه تلك المقاصد وتلك الروح أيا كان وبعضهم يترك القضايا الكلية لانه لا يتسوعبها جملة ويقتصر على معالجة القضايا الجزئية التي تلتمس حلولها بيسر في النصوص الجزئية…

سوى انه لا مناص من الاصطلاح على منهج مرضي نتخذه لانفسنا وليس المقصود من المنهج الموحد ان يفضي في النهاية الى اجابات مجمع عليها في كل المسائل فذلك امر يتعذر بما طبع الله عليه الناس من تباين النظر. ولا تستتبع وحدة المجتمع الدين ان يصدر الناس كافة عن رأي واحد في كل قضية فرعية مطروحة، ففي ذلك المجتمع من عواصم التوحيد والمناهج الجماعية للقرار ما يضمن ان الخلاف الفقهي مهما يكن لايؤدي الى تفرق عملي في غاية الامر. وتعود تلك المناهج الموحدة الى مبدأ الشورى الذي يجمع اطراف الخلاف ومبدأ الاجماع الذي يمثل سلطان جماعة المسلمين والذي يحسم الامر بعد ان تجري دورة الشورى فيعمد الى أحد وجوه الرأي في المسألة فيعتمده اذ يجتمع عليه السواد الاعظم من المسملين ويصبح صادرا عن ارادة الجماعة وحكما لازما ينزل عليه كل المسلمين ويسلمون له في مجال التنفيذ ولو اختلفوا على صحته النسبية…

فليس القصد اذن من اتخاذ منهج هو ان ننتهي به الى رأي واحد اذ لو ألجأنا الناس الى رأي واحد وحملناهم عليه لتوقف تقدم الحياة وجمدت دون السعي الدائب لتحسين الكسب وتكييف المواقف حسب ظروف الحياة المتطورة التي تنتج كل يوم أسبابا أقرب للمصالح وتقتضي مطالب متجددة، انما نستهدف من توحيد المنهج ان نحاول رد الخلاف او تقريب اطرافه وتفهم مسائله وان نسد الذرائع في وجه الاهواء الشخصية والقصور في رأي الفرد الواحد…

ويلزمنا في شأن تمهيد المنهج الجامع ما كان لازما على الفقهاء الاوائل لما بدأ الفقه الاسلامي يتسع ويتركب بعد عهد الرسول (ص) والصحابة والتابعين لان الحياة ما كانت لتجمد. وليست صورة التدين ولا مشكلاته التي عاشها الرعيل الاول هي صورة الاسلام الوحيدة ولا الجامدة. فالتحديات التي تطرحها اقدار الله في حاجات الناس وعلاقاتهم ومشكلاتهم تتجدد ابدا ولا بد ان تتبدل تبعا لها صورة الحياة الاسلامية التي تستكمل استجابة المسلمين لتلك التحديات انطلاقا من أصول اعتقادهم ومعايير شرعهم الواحد، ولقد طرأت على عهد الصحابة كثير من القضايا الجديدة وأخذ الصحابة يجتهدون فيما ويذهبون المذاهب في الرأي والفتوى، وقدكان كل من الصحابة المشهورين بالاجتهاد انما يصدر عن منهج في طريقة فقه الدين ولكنهم في بداية الامر ما اجتاجوا الى التواضع على منهج واحد يقدمونه بين يدي الاجتهادات الفرعية لان التطور كان محدودا ولان تربيتهم المحكمة كانت تطبع مناهجهم بسمات موحدة وقد سار على ذلك التابعون والفقهاء من بعد حتى اذا اتسعت وتشعبت الاقضية وتوافرت مادة واسعة من الفقه الفرعي اتجه النظر نحو الجزئيات الاصولية وأخذ الفقه الاصولي يتبلور حتى تمكن للمتأخرة من كبار الفقهاء كالشافعي مثلا ان يعالجوا قضايا اصول الفقه بطريقة منهجية كلية علمية يرتبونها ويؤسسون قواعدها. ومن بعد ذلك اتسعت المعالجات الاصولية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير