2. السنة النبوية الشريفة، وتأتي بعد الكتاب العزيز في المرتبة، وتقدم متى صح سندها وسلم متنها من القوادح على ما عداها من الأحكام، والأصل في هذا قول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"، ومتى وجد الحكم المطلوب في الكتاب، أو في السنة أو فيهما معا وجب الوقوف عنده، والعمل به.
3. القياس، وهو دليل عظيم النفع، وبه صلحت الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان، واستوعبت أحكام كل المستجدات في كل عصر، وما يزال القياس يسعفنا في استنباط الأحكام لكل الوقائع والمعاملات، التي جدّت، وتجدّ في العصور المتلاحقة، لأن كتاب الله وسنة رسوله لم ينص فيهما على كل الأحكام نصا صريحا محددا، والوحي والحديث النبوي توقفا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس معنى هذا التوقف تجمد الشريعة عند حد معين من الزمان، كلا، وإنما هي مرنة مستمرة بفضل هذا "القياس" الواسع المدى.
والقياس يقوم في استنباط الأحكام للوقائع المستجدة على أساس علل الأحكام المعروفة فإذا وقعت حادثة لم تقع من قبل، فعلى المجتهدين أن يبحثوا لها عن واقعة قديمة معروف حكمها ثم يبحثوا عن علة الحكم للواقعة القديمة، فإذا اشتركت الواقعتان في علة الحكم أخذت الواقعة الحديثة حكم الواقعة القديمة. وقد أولى علماء أصول الفقه عناية عظيمة لدراسة العلل ومسالكها وأنواعها، ثم أقام الأئمة الأعلام من الفقهاء صروح الفقه الاجتهادي على هذا الأساس المتين.
هذه هي أدلة الأحكام المتفق عليها بين جميع فقهاء الأمة وأصولييها، فالاجتهاد في هذه الأدلة الأربعة محظور، فلا يجوز إسقاط واحد منها، ولا يجوز الزيادة عليها؛ فهي -إذن- لا تخضع لمبدأ " تجديد الفقه " الذي ينادى به في هذه الأعصار.
4. أما الرابع فهو الإجماع.
الأدلة المختلف فيها:
بقيت الأدلة المختلف فيها بين الفقهاء، وهي كثيرة، والمشهور منها ما يأتي:
"سد الذرائع- عمل أهل المدينة- المصالح المرسلة- الاستحسان الشرعي- الاستصحاب- فتوى الصحابي- شرع من قبلنا .. الخ".
هذه الأدلة موزعة بين المذاهب، ما من إمام من أئمة الفقه إلا وقد أخذ ببعضها، وترك الأخذ بالبعض الآخر، أو عمل به في نطاق ضيق.
والاجتهاد في هذا النوع من الأدلة لا يتأتى فيها بالزيادة أو النقص، وإنما المستساغ فيها هو مذاهب القدماء، من التفرقة بينها، وأيًا كان فإن الاجتهاد فيها لن يأتي بجديد، حتى يقال: إنه تجديد للفقه القديم.
وصفوة القول: إن أدلة الأحكام بنوعيها - المتفق عليها والمختلف فيها- بعيدة كل البعد عن "مسرح تجديد الفقه" رضينا أم أبينا.
الأحكام الفقهية:
أما بالنسبة للأحكام الفقهية القديمة التي دونت من قبل في عصور الإسلام الأولى، من مئات المصنفات والمجلدات، لجميع المذاهب الفقهية، فهذه الأحكام أنواع كذلك:
- الأول: ما كان دليله قطعي الثبوت كالقرآن وكثير من الأحاديث النبوية، وقطعي الدلالة.
- الثاني: ما كان دليله ظني الثبوت والدلالة معا.
- الثالث: ما كان دليله قطعي الثبوت وظني الدلالة.
- الرابع: ما كان دليله ظني الثبوت قطعي الدلالة.
والنوع الأول يجب عدم المساس به لأنه أقوى الأحكام، والنوع الرابع، وهو ظني الثبوت قطعي الدلالة لا تخضع دلالته كذلك للتجديد.
وإنما يمكن إعادة النظر في الثاني والثالث وكذلك الأحكام التي أجمع عليها علماء الأمة، لا تخضع لإعادة النظر، لأن الأمة لا تجتمع على ضلالة أبدًا.
وباختصار، فإن إعادة النظر ممكنة في كل ما كان احتماليًا ظنيًا، وهذا مجال الاجتهاد فيه واسع.
فقه العبادات
وفقه العبادات كالصلاة والزكاة والحج والصيام يجب إبعاده عن إعادة النظر، وخضوعه لمبدأ "تجديد الفقه" ولا إخال الذين ينادون الآن بمبدأ "تجديد الفقه" يقصدون - فيما يقصدون- فقه العبادات، وإنما هم يقصرون دعوتهم على إعادة النظر في " فقه المعاملات " المدنية بمختلف أنواعها.
والواقع أن فقه المعاملات القطعي الدلالة والثبوت أو القطعي الدلالة، أو ما قام عليه إجماع علماء الأمة، هذه الأفرع محصنة شرعا، فلا يجوز إعادة النظر فيها وإخضاعها لمبدأ "تجديد الفقه".
¥