تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

هذا وقد رويت بعض الآثار عن بعض الصحابة وبعض التابعين تدل على عدم القول بتزكية مال اليتيم، منها:-

1 - ما رواه عكرمة عن ابن عباس قال ([258]): لا يجب على مال الصغير زكاة حتى تجب عليه الصلاة.

قال الدارقطني ([259]): (فيه ابن لهيعة لا يحتج به).

2 - ما رواه مجاهد عن ابن مسعود قال ([260]): من ولي مال يتيم فَلْيُحْصِ عليه السنين فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة فإن شاء زكى وإن شاء ترك.

قال الشافعي ([261]): هذا ليس بثابت عن ابن مسعود من وجهين:

أحدهما: أنه منقطع، وأن الذي رواه: ليس بحافظ.

قال البيهقي ([262]): (قال الشيخ: وجهة انقطاعه: أن مجاهداً لم يدرك ابن مسعود. وراويه الذي ليس بحافظ: هو ليث ابن أبي سليم، وقد ضعفه أهل العلم بالحديث.

وروي عن ابن عباس إلا أنه يتفرد بإسناده ابن لهيعة، وابن لهيعة لا يحتج به والله أعلم).

3 - ما رواه عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن يقول في زكاة مال اليتيم ([263]): ليست عليه زكاة كما ليست عليه صلاة.

4 - ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن يونس عن الحسن قال: سألته عن مال اليتيم.

فقال ([264]): عندي مال لابن أخي فما أزكيه.

5 - ما رواه –أيضاً - عبد الرزاق عن الثوري عن جابر عن الشعبي، ومنصور عن إبراهيم قال ([265]): ليس على مال اليتيم زكاة.

وإلى عدم وجوب الزكاة في مال اليتيم ذهب الأئمة سفيان الثوري وعبدالله ابن المبارك وأبوحنيفة وأصحابه.

قال ابن الهمام ([266]): (وأما ما روي عن عمر وابنه وعائشة رضي الله عنهم من القول بالوجوب في مال الصبي والمجنون لا يستلزم كونه عن سماع، إذ يمكن الرأي فيه، فيجوز كونه بناء عليه فحاصله قول صحابي عن اجتهاد عارضه رأي صحابي آخر) انتهى.

قلت: ذكرت قول ابن الهمام للدلالة على أن ما قاله السرخسي ومن معه من أن هذه المسألة مبنية على أن خبر الواحد الصحيح المسند إذا روي في مسألة تنازع فيها الصحابة رضي الله عنهم ولم يلتفت أحد منهم إلى الاحتجاج به فإن ذلك يدل على زيفه أو نسخه قول مجانبه الصواب، ذلك أن الصحابة لم يثبت عنهم بالسند الصحيح الاختلاف في وجوب الزكاة في مال اليتيم ([267])، ومنه تتضح مجازفة السرخسي ومن قال بقوله بأن الصحابة قد تركوا بأجمعهم الاحتجاج بالأحاديث السابقة، و على فرض تسليم اختلافهم في ذلك فمن أخبر السرخسي ومن معه بأن القائلين بوجوبها من الصحابة والتابعين لم يعولوا على الاحتجاج بها، كيف وقد نُقِل ما نُقِل، بل إن هذه الدعوى الباطلة لتفتح الباب على مصراعيه للطعن في كل حديث اختلف الصحابة في مسألة هو نص فيها إذ لا يُعْجِز المخالف أن يقول ما قاله هؤلاء، وبهذا المسلك تُبْطَلُ السُنَنُ.

* *

الخاتمة:

بتوفيق من الله وحده لا شريك له انتهيت من هذا البحث متوصلاً إلى نتائج هامة أهمها ما يأتي:-

1 - أن علم أصول الفقه علم عظيم الشأن في علوم الشريعة الإسلامية إلا أنه قد شانه وأذهب بريقه وصفاءة - في بعض جوانبه - بعض ما أدخل فيه من مسائل ليس لها صلة به البتة.

ومن هذه المسائل الدخيلة على هذا الفن مسألتنا المبحوثة في هذا البحث فهي مسألة وثيقة الصلة بمحث من مباحث علم العقيدة.

2 - كما توصلت إلى أنه لا خلاف بين أحد من علماء الأمة -لا سيما الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة المعتبرين ومنهم الأئمة الأربعة - في وجوب الاحتجاج بالسنة، معتبرينها صنو القرآن الكريم في التشريع العلمي والعملي.

3 - أن الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى يرون حجية خبر الواحد مطلقاً وأنه يفيد العلم والعمل معاً خلافاً لمن شذ عن طريقهم ممن نَسَبَ نفسه إليهم.

4 - أن تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد تقسيم اصطلاحي، ولا مشاحة في الاصطلاح إذا لم يؤد إلى رد الأخبار سواء في باب العقيدة أو العمل.

5 - اشتهر مذهب الحنفية دون بقية المذاهب بقسم ثالث من أقسام الأخبار، وهو ما يعرف بـ (المشهور) حيث جعلوه قسيماً للمتواتر والآحاد وقالوا إنه يمكن الزيادة به على النص كالمتواتر، فهو عندهم فوق الآحاد ودون المتواتر؛ لذا كانت أحكامه فيها شبه بأحكام الآحاد لكون أصله آحاداً، وفيها شبه بأحكام المتواتر لكونه قد تواتر فيما بعد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير