تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

5 - ومن الملاحظ أن الطوفي لم يأت بمثال واحد يرينا فيه كيف أن المصلحة عارضت النص وكيف تقدم عليها، حتى نستيقن مما يقول، وما ذلك إلا لأنه لم يجد مطلقا بعد طول الاستقراء والبحث حالة واحدة تعارض فيها المصلحة النص لأن ذلك التعارض أمر متوهم [7]

ولضعف أدلة الطوفي وشناعة رأيه حمل عليه كثير من المعاصرين حملة قوية. فيقول الشيخ أبو زهرة عن رأيه أنه (رأي شاذ بين علماء الجماعة الإسلامية) ويقول ( .. إن مهاجمته للنصوص ونشر فكرة نسخها أو تخصيصها بالمصالح هي أسلوب شيعي، أريد به تهوين القدسية التي يعطيها الجماعة الإسلامية لنصوص الشارع. والشيعة الأمامية يرون أن باب النسخ والتخصيص لم يغلق لأن الشارع الحكيم جاء بشرعه لمصالح الناس في الدنيا والآخرة، وأدري الناس بذلك الإمام فله أن يخصص كما خصص النبي (ص) لأنه وصى أوصيائه. وقد أتي الطوفي بالفكرة كلها وإن لم يذكر كلمة الإمام ليروج القول وتنتشر الفكرة) [8].

ويقول الشيخ عبد الوهاب خلاف: ( .. وإن الطوفي الذي يحتج بالمصلحة المرسلة إطلاقا فيما لا نص فيه وفيما فيه نص، فتح بابا للقضاء علي النصوص وجعل حكم النص أو الإجماع عرضة للنسخ بالرأي، لأن اعتبار المصلحة ما هو إلا مجرد رأي وتقدير، وربما قدر العقل مصلحة وبالروية والبحث يقدرها مفسدة. فتعريض النصوص لنسخ أحكامها بالآراء وتقدير العقول خطر علي الشرائع وعلي كل القوانين) [9].

[6] أنظر (ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية) - محمد سعيد رمضان البوطي ص 212

[7] أنظر (ابن حنبل) لأبو زهرة ص 359

[8] نفس المصدر ص 363

[9] مصادر التشريع الإسلامي فيما لا نص فيه - عبد الوهاب خلاف - ص 101

أصول الفقه بين الثبات والتجديد1/ 2

ورقة ا. د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين

أستاذ أصول الفقه بقسم الدراسات العليا

جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض:

8/ 1/1423

- وفي نهاية القرن السادس الهجري طرح سليمان بن عبدالقوي نجم الدين الطوفي المتوفى سنة 716هـ، رأياً متطرفاً وشاذاً وفق المقاييس الأصولية، في المصلحة. هو لم يؤلف كتاباً في المصلحة يذكر فيه رأيه، ولكنه أورد رأيه في شرحه الحديث الثاني والثلاثين من الأحاديث الأربعين النووية، وهو قوله:صلى الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضِرار). ولم يشر علماء الأصول الذين عاصروه أو جاؤا بعده، إلى رأيه هذا، فيما أطلعت عليه من كتبهم. وقد طبع شرحه للأربعين النووية كاملاً باسم (التعيين في شرح الأربعين) في السنوات الأخيرة. وهو وإن لم يتكلم عن المصلحة في بعض كتبه كشرحه لمختصر الروضة، لكنه لم يخرج في ذلك عن رأي الجمهور فيها، مع نقده تقسيماتهم المصلحة إلى ضرورية وغير ضرورية، وعدّه ذلك تعسفاً وتكلفاً، وإنما كان رأيه الخاص والمخالف لرأي جمهور العلماء هو ما أورده في شرحه لحديث (لا ضرر ولا ضِرار)، الذي تكلم في شرحه على المصلحة مطلقاً، لا المصلحة المرسلة. وقد عرّف المصلحة، بحسب العرف، بأنها السبب المؤدي إلى الصلاح والنفع، كالتجارة المؤدية إلى الربح، وبحسب الشرع هي السبب المؤدي إلى مقصود الشارع عبادة أو عادة (7).

وبعد أن أقام الأدلة على حجية المصلحة من نصوص الشارع، ذكر أن رعايتها مقدمة على النصوص والإجماع، مستدلاً على ذلك بوجوه، منها:

أ - (إن منكري الإجماع قالوا برعاية المصالح، فهو إذاً محل وفاق، والإجماع محل خلاف، والتمسك بما اتفق عليه أولى من التمسك بما اختلف فيه.

ب- إن النصوص مختلفة متعارضة، فهي سبب الخلاف في الأحكام المذموم شرعاً، ورعاية المصالح أمر (حقيقي في نفسه، ولا يُخْتَلَفْ فيه، فهو سبب الاتفاق المطلوب شرعاً، فكان اتباعه أولى) (8).

لكنه يقصر ذلك التقديم على جانب المعاملات والعادات وشبهها، وأما في العبادات والمقدرات ونحوها، فالمعتبر فيها النصوص والإجماع ونحوهما من الأدلة (9).

والمصلحة عنده عامة هي مصلحة الناس، وما يتراءى لهم أنه ذو منفعة. وليس المقصود في ذلك المصالح المرسلة التي يقول بها الإمام مالك. ونجد من المناسب أن نذكر خلاصة لهذا الاعتبار من عبارات الطوفي نفسه. قال: (ولا يقال إن الشرع أعلم بمصالحهم فيؤخذ من أدلته، لأنّا نقول: قد قدرنا أن رعاية المصلحة في أدلة الشرع، وهي أقواها وأخصها فلنقدمها في تحصيل المصالح. ثم إن هذا يقال في العبادات التي تخفى مصالحها على مجاري العقول والعادات، أما مصلحة سياسة المكلفين في حقوقهم فهي معلومة لهم بحكم العادة والعقل، فإنا رأينا دليل الشرع متقاعداً عن إفادتها، علمنا أنه أحالنا في تحصيلها على رعايتها، كما أن النصوص لما كانت لا تفي بالأحكام علمنا أنّا أحلنا بتمامها على القياس، وهو إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه بجامع بينهما) ((10).

فالأمور السابقة: الإجماع، والاستصحاب البديل عن القياس الأصولي المعروف، والقياس الواسع، والمصلحة. والسنة كانت مما يدخل في مجال أصول الفقه، لأنها تتناول الأدلة، سواء كان بإنكارها، أو بتوسيع نطاقها، ولكنها لم يكن ينظر إليها على أنها تجديد، بل كانت تذكر على أنها آراء شاذة، باستثناء أفكار الطوفي في المصلحة التي لم نجد لها ذكراً في كلام المتقدمين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير