وقد بلغ من تعظيم ابن حزم للمنطق ((أن رواه بإسناده إلى متى الترجمان إلى العربية)) (ابن تيمية: الرد على المنطقيين ص 131).
وبعد عرضنا لمضمون هذا الكتاب المهم للإمام ابن حزم نقول وبالله التوفيق:
أولا كلمة المنطق بمعناها العام تعنى أداة العلم ولكنها حين تطلق يراد بها ما ورد فى كتب أرسطو الثمان من نظريات الغرض منها ضبط التفكير وصيانة العقل عن الآنحراف فى باب الاستدلال .. إلى هنا أيها الإخوه تسير الأمور على ما يرام، ولكن هل حقق المنطق هذا الغرض؟ وإلى أى شىء استند أرسطو وأتباعه لتحقيق هذا الغرض؟
لقد اعتمد أرسطو فى كتابه الأورجانون على عقيدته الوثنية وخير من تنبه لذلك هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
نقد ابن تيمية للاصول والمعانى المنطقية:
لم يكتف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بالقول بأن ((المنطق مظنة التكذيب والعناد والزندقة .. )) وإنما نقد المنطق نقدًا منهجيًا متجاوزًا ظاهره لما رآه من ضرورة نصيحة المؤمنين بعد ما استشرى تبنيهم للمنطق ((بل إن كثيرًا من فضلاء المسلمين وعلمائهم يقولون: المنطق كالحساب ونحوه مما لا يعلم به صحة الإسلام ولافساده ولا ثبوته ولا انتفاؤه. وأن هذا كلام من رأى ظاهره وما فيه من الكلام على الأمور المفردة لفظًا ومعنى ثم على تأليف المفردات وهى القضايا ونقيضها وعكسها ثم على تأليفها بالحد والقياس وعلى مواد القياس .. وإلافالتحقيق أنه مشتمل على أمور فاسدة ودعاوى باطلة كثيرة)) (نقض المنطق ص 209)
ولن أتعرض هنا لنقده بالتفصيل وإنما أشير فقط إلى أن نقد ابن تيمية للمنطق يتلخص فى نقطتين:
(الأولى) فساد قولهم بأن التصورات لا تنال إلا بالحدود:
ذلك أن الحد المقصود هو المركب من الجنس والفصل , وهذا مبنى على التفريق بين الوجو والماهية , وان الماهية أسبق على الوجود، وأنها ثابتة فى المادة، مع أنها لا توجد إلا فى الأذهان، وليس فى الخارج سوى الأعيان ففيه _ إذن _ تقدير حقيقة ليست ثابتة فى الوجود هذا فضلاً عما يننى عليه من القول بقدم العالم (انظر: د/على سامى النشار: الرد على المنطقيين لابن تيمية ص 14).
على أن التصورات لا تنال بالحدود أصلاً، فاللفظ لا يدل السامع على معناه إن لم يكن قد تصور المعنى وعلم ان هذا اللفظ موضوع له، فلو استفيد التصور منه لزم الدور، وبطل القول بأنه العبارة الكاشفة (انظر نقض المنطق ص 178).
والحدود إذا كانت مبينة أو مفصلة لمجمل فليس ذلك من إدراك الحقيقة فى شىء وليس لها فائدة زائدة عما للأسماء (انظر الرد على المنطقيين ص 10).
(النقطة الثانية) فساد قولهم بأن التصديقات لا تنال إلا بالقياس الأرسطى:
ذلك أن العلم بالقضية الجزئية سابق على العلم بالقضية الكلية، وليس من طريق يعلم به صدق الكلية إلا والعلم بذلك يمكن من العيان بطريق الأولى فحيث لا يستدل بقياس التميل لا يمكن الاستدلال بقياس الشمول (انظر السيوطى:تلخيص نصيحة أهل الإيمان لابن تيمية ضمن كتاب صون المنطق 2/ 136 ونقض المنطق ص 206 - 207)
والبرهان عندهم قائم على القضية الكلية، والكلى لا يكون إلا فى الأذهان وعليه فلا يفيد العلم بشىء موجود (انظر صون المنطق2/ 135 وما بعدها) فضلاً عن كون الكلى يقوم على تصور وقوع الشركة فلا يتم به علم بالله تعالم كما لم يتم به علم بخلقه.
فلم يبق من المنطق إذن إلا صورته وهذا لا يحتاج إليه سائر العقلاء وليس طلب العلم موقوفًا عليه فالمعانى العقلية لا تحتاج إلى اصطلاح خاص متعلق بلغة اليونان ((لا سيما عند من كرمه الله تعالى بأشرف اللغات الجامعة لأكمل مراتب البيان لما تصوره الأذهان بأوجز لفظ وأكمل تعريف)) (الرد على المنطقيين ص 28،ص 178)
إن نقد ابن تيمية للمنطق قد تميز بالوعى الكامل باستناد ذلك المنطق إلى ميتافيزيقا أرسطو كما يتميز بأنه هجوم على المنطق بسلاح المنطق ...
ولا زال الحديث فى هذا الموضوع مفتوحًا فهذه هى وجهة نظرى بل ما تيسر لى نقله إليكم وفى انتظار تعقيبكم والاستفادة من نقدكم وملاحظاتكم.ومعذرة إذا كان قد ورد ذكر بعض الأسماء والكتب التى لا يروق لبعضنا سماعها.
ـ[حرملة بن عبد الله]ــــــــ[21 - 06 - 07, 09:11 م]ـ
والواقع أن أبن حزم الأندلسى كان قد سبق الغزلى فى هذا الشأن بقرون وهو ما يضع علامات استفهام كثيرة حول منهج إسلامى يأبى القياس الأصولى دليلاً ويعتمد القياس المنطقى اليونانى
توفي الإمام أبو محمد ابن حزم رضي الله عنه 456 هـ
و ولد الإمام أبو حامد الغزالي 450 هـ
فليس بينهما قرون.