أنه لا يعرف موقفه من العلم، و يظن أنه بمعرفته بالصحيح من الحديث يكون قد عرف الحكم من الحديث، و لكنه يحير إذا ظهر له التعارض في الظاهر، فيلجأ إلى التوفيق بين هذه الظواهر ــ أيضا بطريقة ظاهرية فاشلة ــ دون اللجوء إلى ما قاله سلفه من أهل الفقه و العلم ....
و في خلال سيره على هذا النهج و في خلال اطلاعه على مذاهب أهل العلم نجد هذا الطالب يسهب في استنكار أقوال أئمة العلم من سلفه الفقهاء و الأئمة؛ لما يجد في أقوال أئمته ما يتعارض مع ظواهر النصوص التي يحفظها هذا الطالب،، و لا يقبل تأويل أهل العلم للنصوص التي يحفظها و يعرفها أهل العلم و الفقه أكثر منه ..
و مناط ذلك كله // أنه لم يدرس و لم يعر اهتماما لهذا الجانب الأصيل من العلم ــ وهو دراسة الأصول بشتى نواحيها ــ فلو درس هذا الطالب الأصول و قنع قناعة داخلية أن هذه الأصول هي الحاكمة على الحرفيات ــ ما دامت هذه الحرفيات محتملة لما تفرضه عليها الأصول ــ لما استعجب كلام أهل الفقه و لما استغربه، بل سيجد نفسه يوافقهم و لا يكاد يخرج عما يقولون، و إن خرج فهو لا يخرج عن أصولهم التي أصلوها ..
و لو درس و تفهم الطالب هذا الجانب من العلم لما استعجب أصل الحنفية مثلا في (تخصيص العام الظني بالمصلحة القطعية المعتبرة شرعا)
و لما استعجب صنيعهم في إيصال التعزير إلى القتل ــ للمصلحة ــ و غيرها من المسائل التي لا نص للحكم فيها، و لكن تراعى فيها المصلحة ((التي اعتبرها الشرع))
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
و أنا أضرب الآن صورة انتقيتها لكم من بعض كتبنا توضح لطالب العلم كيف التوفيق و كيف التعامل مع النصوص الحرفية و المقصد المصلحي الأعم في آن واحد .....
قال الإمام عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي في (الاختيار لتعليل المختار):
" و السنة أن يقرأ في الفجر و الظهر طوال المفصل، و في العصر و العشاء أوسطاه، وفي المغرب قصاره، هكذا كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري و لا يعرف إلا توقيفا؛ و قيل المستحب أن يقرأ في الفجر أربعين أو خمسين؛ و قيل من أربعين إلى ستين. وروى ابن زياد: من ستين إلى مائة بكل ذلك وردت الآثار؛ و قيل المائة للزهاد و الستون في الجماعات المعهودة، و الأربعون في مساجد الشوارع، و في الظهر ثلاثون، و في العصر و العشاء عشرون. و الأصل أن الإمام يقرأ على وجه لا يؤدي إلى تقليل الجماعة، و إن كان منفردا فالأولى أن يقرأ في حالة الحضر الأكثر تحصيلا للثواب. " اهـ
الاختيار لتعليل المختار 1/ 56 حلبي
أقول ـ محمد رشيد ـ: فانظر هنا يا طالب العلم كيف تعامل الفقهاء مع الوارد ثم أجروه على قواعد التشريع من مصالح العباد في تكثير الثواب و هم في ذلك في الحقيقة لم يخالفوا النص، حيث فعل النبي صلى الله عليه و سلم بهذه الأعداد من الآيات في الصلوات كان جريا على القاعدة العامة و على مراعاة الحال، فأقر الفقهاء هذا التقسيم ثم لم يعتبروا مخالفته في الصورة مخالفة له في الحقيقة لكونه جريا على نفس أصله، و لكن نفس هذا الأصل اقتضى صورة في حال معينة، ثم اقتضى صورة أخرى في حال أخرى.
ــــــــــــــــــــــ
مثال آخر مقارب:
نص فقهاؤنا الحنفية على كراهة إمامة الأعرابي و الأعمى و الفاسق وولد الزنا ...
فيأتي طالب العلم فينكر ذلك على الفقهاء، و يقول / لا نص على ذلك و هذا قول بالرأي و ابتداع في دين الله تعالى!!
و أنا أقسم بالله الذي رفع السماء بلا عمد و أنا غير حانث إن شاء الله تعالى أن قائل هذا الكلام لم يطلع على كلام الفقهاء في المسألة التي يستنكرها، و إلا فلو قرأ لفهم ....
ففي مثل هذه المسألة المذكورة لو اطلع طالب العلم على ما سطره الحنفية فيها لعلم أن الخطب أسهل بكثير جدا مما يحسب، لأن الفقهاء قد عللوا ذلك بعلل تقبل الوجود و العدم، فلو توفرت هذه الشروط وجد الحكم، ولو عدمت هذه الشروط انعكس الحكم ...
يقول الموصلي في الاختيار في هذه المسألة:
¥