الرابع: أحكام ورد لها ذكر في الكتاب أو السنة، لكن لم يأت ما يدل على أنها شرع لنا أو ليس بشرع لنا، وهذا محل خلاف بين أهل العلم هل يُعَدُّ من أدلة التشريع أو لا؟ والراجح: أنه شرع لنا، وهو مذهب الجمهور.
4 – المصالح المرسلة:
وهي جمع مصلحة: وهي جلب منفعة أو دفع مضرة.
والمرسلة: أي المطلقة التي لم يقيدها الشرع باعتبار ولا بإلغاء.
والمصالح ثلاثة أقسام:
1 – ما شهد الشرع باعتبارها بدليل معين من نص أو إجماع أو قياس، وهذه معتبرة باتفاق.
2 – ما شهد الشرع بإلغائها، وهذه ملغاة باتفاق.
3 – ما لم يشهد لها الشرع باعتبار ولا بإلغاء بدليل معين، ولكن فيها وصف مناسب لتشريع حكم معين من شأنه أن يحقق منفعة أو يدفع مفسدة.
وهذه هي المصلحة المرسلة، والقول بأنها حجة ومصدر من مصادر التشريع في المعاملات وسياسة أمور الناس وجيه جداً، وقد جاء الأخذ بالمصلحة المرسلة عند جميع الفقهاء، لاتفاقهم على أن تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها أصل شرعي، لكن بشروط ثلاثة:
1 - أن تلائم مقاصد الشرع، بأن تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصيلها، لا تخالف أصلاً من أصوله، ولا تنافي دليلاً من أدلة أحكامه.
2 - أن تكون معقولة في ذاتها، فتتلقاها العقول السليمة بالقبول، لكونها جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة، وعليه فلا تجري في العبادات لأنها مبنية على التوقيف.
3 - أن يكون الأخذ بها لحفظ ضروري كحفظ الدين و الأنفس والأموال، أو لدفع حرج لازم في الدين تخفيفاً وتيسيراً.
وجميع شرائع الدين ترجع إلى تحقيق ثلاث مصالح:
1 - درء المفاسد. وشُرع لها حفظ «الضروريات» الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض.
2 - جلب المصالح. وشُرع لها ما يرفع الحرج عن الأمة في العبادات والمعاملات وغيرها، وهي المعبر عنها بـ «الحاجيات».
3 - الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات. وشُرع لها أحكام «التحسينيات».
5 - العرف:
وهو ما ألفه الناس واعتادوه من الأقوال والأفعال.
وهو بمعنى العادة، إلا أن العادة لغة أعم من العرف، لإطلاقها على عادة الفرد والجماعة، بخلاف العرف فإنه يختص بالجماعة.
وهو نوعان:
1 - عرف صحيح: وهو الذي لا يخالف نصاً، ولا يفوت مصلحة معتبرة، ولا يجلب مفسدة راجحة.
2 - عرف فاسد: وهو ما خالف نصاً، أو فوت مصلحة معتبرة، أو جلب مفسدة راجحة.
والعرف معتبر في الشرع، ولكنه ليس دليلاً مستقلاً من أدلة الفقه، وإنما هو أصل من أصول الاستنباط يرجع إلى أدلة الشريعة المعتبرة.
فإذا نص الشرع على حكم وعلق به شيئاً ولم يرد لذلك حد في الشرع ولا في اللغة فإنه يُرجع فيه إلى العرف الجاري.
ومن قواعد الفقهاء: «العادة مُحَكَّمة» «المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً».
والأحكام المبنية على العرف والعادة تتغير إذا تغيرت العادة بتغير الزمان، وهذا معنى قول بعض العلماء: «الأحكام تتغير بتغير الزمان والمكان».
6 - سدُّ الذرائع وإبطال الحيل:
والذرائع: جمع ذريعة، وهي لغة: الوسيلة المؤدية إلى الشيء.
واصطلاحاً: الوسيلة الموصلة إلى الشيء الممنوع المشتمل على مفسدة، أو المشروع المشتمل على مصلحة.
ثم صارت في عرف الفقهاء مختصة بالأول، وهو ما أفضى إلى فعل محرم، فهي فيه حقيقة عرفية، ومعنى سَدِّ الذرائع: الحيلولة دون الوصول إلى المفسدة إذا كانت الذريعة تؤدي إليها.
والذريعة تأخذ حكم المقصود، فإن كان المقصود الذي أفضت إليه الذريعة حراماً كانت الذريعة حراماً، وإن كان واجباً أو مندوباً فالذريعة مثله، كما تقدم في قاعدة: «الوسائل لها أحكام المقاصد».
وقد قسم الأصوليون الأفعال المباحة التي تفضي إلى المفاسد إلى ثلاثة أنواع:
1 - ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة نادراً وقليلاً، فهذا تُرَجَّحُ مصلحته، ويبقى له حكم الأصل، وهو الإباحة.
2 - ما يكون إفضاؤه إلى المفسدة كثيراً وغالباً، فهذا ترجح مفسدته، ويُمنع منه سداً للذريعة.
3 - ما يحتال به المكلف ليستبيح به المحرم، وظاهر تلك الحيلة الإباحة في الأصل، وهذا النوع كالذي قبله، فيمنع منه سداً للذريعة.
وسد الذرائع تابع ومؤكد لأصل المصالح، لأنه يمنع من الأسباب والوسائل المفضية إلى المفاسد، ويشهد لهذا الأصل من نصوص الشريعة شواهد كثيرة، وليس المعتبر في سد الذرائع النية السيئة من الفاعل، بل مجرد كون الفعل يفضي إلى ما حرمه الشرع.
أحكام الحيل:
رتب العلماء على أصل سَدِّ الذرائع مَنْعَ الحيل في الشريعة الإسلامية، لكنها بوجه عام ثلاثة أقسام:
1 - متفق على بطلانه، وهو ما هدم دليلاً شرعياً أو نَاقَضَ مصلحة معتبرة.
2 - متفق على جوازه، وهو ما جاءت الشريعة بالإذن فيه، لما فيه من تحقيق مصلحة راجحة.
3 - مختلف فيه بسبب التردد في موافقته لمقصد الشارع أو مخالفته له، فمن رأى أنه غير مخالف للمقصد أجاز الحيلة فيه، ومن رآه مخالفاً منع الحيلة.
يتبع باذن الله
¥