ثانياً: كتاب "قواطع الأدلة" للسمعاني - رحمه الله -. وهو مهم جدًا لكل من أراد الدخول في هذا العلم، فإن السمعاني جاء على فترة من الركود، وعدم التحقيق، والخلط في هذا العلم، فشن الغارة على أرباب علم الكلام الذين لا قبيل لهم ولا دبير، ولا نقير ولا قطمير في هذا العلم الشريف. فهو كتاب جدير بالعناية والاهتمام، ولو جعله الأصولي هجّيره وأنيسه بعد التأصيل، لاستفاد فائدة عظيمة لا تقدر بثمن، خاصة ما يتعلق بالأخبار.
ثالثاً: كتاب "مفتاح الوصول إلى بناء الفروع على الأصول" للشريف التلمساني.
رابعاً: كتاب "الموافقات" للشاطبي.
بالنظر إلى هذا المنهج المرسوم لو قال قائل: بأنه يصلح للمتخصص وغير المتخصص، لما أبعد، بل قد يقال: يزيد على حاجة غير المتخصص. وكتاب الشاطبي والتلمساني فيهما شيء من الصعوبة والدقة، قد يعسران على من لم يمارس الفن، ويتمكن من التصور التام لقواعده.
ومما يصلح الاعتناء به لغير المتخصص في الغالب، القراءة في بعض كتب المعاصرين القاصدين للتحقيق، ككتاب أبو زهرة، ومصطفى شلبي، والجديع والأشقر والخن والجيزاني.
بل غير المتخصص لو اكتفى بكتاب ابن عثيمين وشرحه له، وكتاب الجديع، وكتاب الخن، وشرح الروضة للنملة، إضافة إلى ما كتبه ابن تيمية، وابن القيم، والشاطبي "رحم الله الجميع" = لما فاته من علم الأصول شئ يذكر له فائدة محققة. بل ممكن الاستعاضة بكتاب الجيزاني بما كتبه ابن تيمية، وابن القيم خاصة، فقد أكثر المؤلف من النقل عنهم، إضافة إلى ابن عبد البر وغيره، وهذا من حسناته.
وكتب النملة عموما يستفيد منها غير المتخصص أكثر من المتخصص، خاصة إتحاف ذوي البصائر شرح روضة الناظر، لأن غاية ما يقال فيه:
أنه عبارة عن تلخيص وعرض لكتب الأصوليين المتقدمين بالفهم ذاته، والتأثر بهم في طريقتهم ومنهجهم، أجود ما فيه أنه يعرضها باللغة العصرية السهلة الميسرة، وله اهتمام ظاهر بدرجة الخلاف وتقويمه.
وهذه الملاحظة عامة في مصنفات المتأخرين، إلى ما ندر.
تنبيه: من باب التأكيد والاستفادة، أرشح كتاب ابن عثيمين للمبتدئين، فمن أراد منهم أن يحب هذا العلم، ويتلذذ به، فعليه بسماع شرح الشيخ لكتابه "الأصول من علم الأصول" فقد أجاد في التيسير والتسهيل إلى حد كبير، وهو موجود في أشرطة في حدود العشرين، وقد طبع مؤخرا طبعة مصرية، لكن الأشرطة أجود.
الخلاصة: أن غير المتخصص قد لا يحتاج في هذا الفن أكثر من معرفة أصول المسائل فيه، مع أدلتها وضرب الأمثلة عليها، وهذا خدمه المعاصرون كثيرا في كتبهم. ومن أراد الاستزادة من كتب المتقدمين فعليه بـ"اللمع" للشيرازي.
#فئة المتخصصين:
وهم الذين أرادوا مع تكوين الملكة الأصولية، الإحاطة والإدراك بدقائق مسائله، مع الوصول إلى درجة التحقيق والاجتهاد، وأنى لهم البلوغ إلى تلك الرتب العالية، إلا بالصبر والبذل، (ومن يطلب الحسناء لم يُغله المهر) (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين).
ضرورة التخصص:
وهنا أستأذن القارئ الكريم في مقدمة يسيرة، نؤكد فيها على ضرورة التخصص في هذا العلم الشريف.
فقد اتفق العقلاء قاطبة على أن التخصص العميق في دائرة معرفية محددة = يساعد على الفهم الدقيق، والتصور الصحيح لمفردات ذلك التخصص أيًّا كان، ويكشف بعد زمن من البحث والتنقيب المسائل المخبأة في الزوايا هنا وهناك، وهذا يعين الباحث على الوصول إلى نتائج علمية مُحققة.
لأن المتخصص - الذي انقطع عن كل ما سوى فنه - أقدر على الاستقراء والتتبع من غيره، فهو لا يدع شاردة ولا واردة إلا أتى عليها. ومن هنا قيل:
دققوا كي لا يضيع دقيق العلم.
وإن أردت برهانا ودليلا بينا وواضحا لما نقول: فالواقع خير شاهد على ذلك!! هل ترى في دور الطباعة وتجد فيها، ما يغني وما يسمن من جوع؟!
إلا إذا كان من متخصص أتقن تخصصه، وسبر أغواره، وأحاط بما دقّ فيه وجل.
ومع هذا الطغيان المعلوماتي، والتقنية المعاصرة، التي يسّرت طرق البحث، كثر التصنيف، وقلّ التدقيق. فمسألة التخصص قضية لا محيص عنها، ولذلك قال أبو هلال العسكري: من أراد أن يعلم كل شيء فينبغي لأهله أن يداوه فإن ذلك إنما تصور له لشيء اعتراه.
وقال محمد بن يزيد: ينبغي لمن يحب العلم أن يَفتنَّ في كل ما يقدر عليه من العلوم إلا أنه يكون منفردًا غالبًا عليه منها علم يقصده ويبالغ فيه.
¥