تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: وقد تنخرم بشرط كبير هو: أن تكون القلة مؤمنة، متبعة غير مبتدعة، أئمة في الدين، والكثرة على العكس.

أقول: لو صحت قاعدتك تنزلاً لما كان هذا انخرام لها، إذ جانب الترجيح هنا اختلف فليس هو الكثرة أو القلة لأن عاملاً آخر دخل على الخط وهو الاتباع والابتداع أي موافقة النص ومخالفة النص.

قلت: دل على تقديم قول الجمهور والاحتجاج به: أدلة متعددة، منوعة، فمنها:

1. أن الله تعالى قال: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث}، فالتعزيز بالكثرة يورث اليقين، ويقطع الشك، ولذا أرسل الله تعالى إليهم هذه الكثرة، ليثبّت الحجة عليهم.

أقول: لو لم يرسل إليهم الله الرسول الثالث هل كان سيكون لهم على الله حجة أو لهم عذر؟

ثم إن هنا ليس هناك كفتان من الأئمة الراسخين في العلم إحداهما قليلة والأخرى كثيرة.

قلت: 2. لم يطمئن عمر رضي الله عنه إلى خبر أبي موسى في الاستئذان حتى انضم إليه أبو سعيد، فدل على أن الكثرة تورث اليقين.

أقول: كذلك هنا لا يوجد خلاف أصلاً، وأنت تعلم أن خبر الواحد حجة عند الصحابة وعامة السلف، فلولم يأت أبو موسى بمن يشهد معه أتظن أن عمر كان سيرده ولا يعمل به؟

ولا خلاف أن الكثرة تزيد الاطمئنان وهذا من باب الترجيح لا من باب الحجة، كما قال تعالى عن إبراهيم {ولكن ليطمئنّ قلبي}

قلت: 3. اصطلح العلماء على قبول المتواتر، وهو ما يرويه جماعة، يستحيل عادة تواطؤهم على الكذب، فكان من أسباب قبوله كون الذي يرويه "جماعة" وهذه صفة كثرة.

أقول: لكن هناك قيد مهم أخي في تعريف المتواتر عند من يقول به! وهو (أن يكون مستند خبرهم الحس) وهذا ينقض استدلالك بهذا، وفي كتب المصطلح تنبيه على أنه ليس من المتواتر ما كان مستنده العقل والاجتهاد فليتك رجعت إلى شروح الأئمة ولم تتعجل في الاستدلال بمثل هذا.

قلت: 4. ذكر العلماء أن الشاذ هو: ما يرويه الثقة يخالف به الثقات. ففي اصطلاح المحدثين تقديم رواية الجمهرة على القلة، لحصول اليقين بها.

أقول: أخي ليس دائماً عند المحدثين الترجيح بالكثرة، وهذا مشهور لا يحتاج إلى العزو، فكم من رواية رجح الأئمة فيها رواية القلة على الكثرة لاعتبارات معينة، والأمثلة كثيرة يعلمها أهل الحديث.

قلت: 5. من نهج العلماء، منذ القديم: سوق أقوال العلماء، والاستدلال بكثرتهم، على صواب المسألة، وهذا جلي في كتب: السنة، والتوحيد، والإيمان، وأصول الاعتقاد، والعقيدة .. إلخ، ويجعلون اجتماع العلماء وكثرتهم، عبر القرون الثلاثة الأولى خصوصا، دليلا على ابتداع المخالف، وهذا ظاهر في مسائل الاعتقاد، كالإيمان، والقدر، والأسماء والصفات.

أقول: أما في كتب العقيدة ومسائل العقيدة فإن الكثرة والجمهرة لقطع الأطماع عن النظر في النصوص بخلاف ما أجمع عليه أو تظافر النقل فيه عن السلف لأن مسائل العقيدة التوقف فيها هو الأصل ولا اجتهاد فيها فالنقل فيها عمدة.

أما مسائل الفقه فكثير منها حادث يعتمد على الاجتهاد فيها من قبل العلماء والأئمة، والفقهاء في كتبهم يسوقون أقوال العلماء تقوية للقول وزيادة الاطمئنان له وهذا لا جدال فيه، لكن أين من قال منهم إن سوقي هذه الأقوال لأبين أن القول الآخر ساقط لا يجوز القول به لأحد، ومن أغراضهم من سوق أقوال السابقين والعلماء بيان أن القول له سلف وليس شاذاً وهو مالم تفعله أنت بارك الله فيك.

قلت: 6. أن الطعن في حجية قول الجمهور: طعن في حجية الإجماع نفسه. وذلك: أن حجية الإجماع لم تثبت إلا بقول الجمهور:

- فإجماع الصحابة خالف في حجيته المعتزلة، لكن جمهور المسلمين احتجوا به، فصار حجة.

- وإجماع التابعين خالف في حجيته الظاهرية، لكن جمهور المسلمين احتجوا به، فصار حجة.

وهكذا فإن الطعن في حجية قول الجمهور، بالعموم، يفضي إلى إبطال حجية الإجماع.

أقول: خطأ، لأن حجية الإجماع أصلاً حجيته من النص عليه في الكتاب والسنة، ولا يحتاج إلى قول الجمهور لحجيته، أما خلاف المعتزلة فساقط لأن خلاف المبتدع لا عبرة به، وأما قول الظاهرية فإن الطعن فيه من قبل الظاهرية وغيرهم ليس لعدم حجيته بل لعدم إمكان التحقق منه وهذا لا يطعن في حجية الإجماع أصلاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير