تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لذا ارتأيت أن أضمن المبحث نفسه جواب إيراداتكم، فأعدته، وجعلت الجواب بين قوسين ونجمة، كل جواب في موضعه الملائم، فإليكم:


منزلة قول الجمهور من الدين.

- هل قول الجمهور حجة؟.

هذه الجملة تضمنت أربع كلمات، كل كلمة ذات دلالة ومعنى:

1 - (هل): حرف استفهام، يبتدء به للسؤال والاستفهام. فالجملة استفهامية إذن، تبحث في حكم الأوصاف التالية لهذا الحرف.
2 - (قول): هو ما يكون: نطقا باللسان، أو كتابة بالقلم. وهل يلحق به الفعل؟: نعم، يلحق به الفعل. وإنما خرج الكلام مخرج الغالب، ومتعلق القول والفعل هنا: مسائل الدين.
3 - (الجمهور): هم الكثرة والأغلب من الناس. وأل التعريف عهدية؛ أي جمهور العلماء دون العوام، وعلماء الشريعة دون علماء الطبيعة وغيرهم. وعلماء الشريعة هم: الصحابة، والتابعون، وتابع التابعين، ثم من تبع مذهبهم في القرون اللاحقة، وفي بعض الأحيان يراد به عموم علماء المسلمين، حتى المخالف لمذهب السلف، خصوصا في مسائل الفقه.
4 - (حجة): أي في وجوب اتباع: قولهم، وفعلهم. وعدم مخالفتهم، في مسائل الدين تحديدا.

* * *

وبهذا يتضح معنى الجملة الآنفة، فيكون كما يلي:

- هل ما نطق به، أو كتبه، أو فعله دينا: جمهور علماء الشريعة من: صحابة، أو تابعين، أو تابعيهم، أو من تبع مذهبهم من القرون اللاحقة، أو جمهور علماء المسلمين، حتى المخالف لمذهب السلف: يجب اتباعهم فيه، وعدم مخالفتهم؟، أم لا يجب؟، أم فيه تفصيل؟.

هذا هو حقيقة السؤال، وإليك جوابه:

قبل تنزيل الحكم، يحسن بيان منزلة: أقوال وأفعال الكثرة. في مقابل أقوال وأفعال القلة:
القاعدة: أن الكثرة غالبة، والقلة مغلوبة.
وقد تنخرم بشرط كبير هو: أن تكون القلة مؤمنة، متبعة غير مبتدعة، أئمة في الدين، والكثرة على العكس.

* (دليله قوله تعالى: {كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}) *.

لكن كيف لو أن الكثرة كانت: مؤمنة، متبعة غير مبتدعة، أئمة في الدين. إزاء قلة هي كذلك؛ أي الفريقان متساويان؟.
حينئذ كفة الكثرة غالبة، وهذه حال مسألتنا هذه، فالكثرة هنا مشروطة بشرطين:
- الأول: أن تكون متبعة غير مبتدعة؛ يقوم قولها على نص ثابت.
- الثاني: أئمة راسخة في العلم والإيمان، مشهود لها بذلك.
وعلى ذلك فلا وجه للاحتجاج هنا بقوله تعالى: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين}.

* (أي على توهين قول الجمهور، لأن الآية تعلقت بمن ليس لهم من ذينك الشرطين نصيب؛ فإنها نفت عنهم الإيمان. ونؤكد على الشرطين؛ فإنه ينبغي أن يكونا دوما على بالٍ، عند الكلام على مسألة قول الجمهور، فبدونهما لا محل للاحتجاج بقول الجمهور، ومنه يعلم أن قول الجمهور ليس بحجة بإطلاق، ومنه يعلم كذلك أن كل كلام عن حجية الجمهور بغير هذين الشرطين فلا يلزمني) *.

* * *

- أدلة حجية قول الجمهور:

دل على تقديم قول الجمهور والاحتجاج به: أدلة متعددة، منوعة، فمنها:

* (قبل أن أورد الأدلة، ينبغي أن أذكر أنها ليست على مرتبة واحدة في القوة والاحتجاج، فبعضها في نظري حجة، وبعضها يستأنس بها، ولا ضير في التنويع، وقد علم أن كبار المحدثين كمسلم وغيره، يذكرون ما صح من الآثار في المسألة، ثم يتبعونها بما فيه ضعف، ليس من باب الاحتجاج، بل للاستئناس.
أما أيها للاحتجاج، وأيها للاستئناس؟ .. فذاك أمره ظاهر) *:

1 - أن الله تعالى قال: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث}، فالتعزيز بالكثرة يورث اليقين، ويقطع الشك، ولذا أرسل الله تعالى إليهم هذه الكثرة، ليثبّت الحجة عليهم.

* (تنبيه: لا ينفي هذا الدليل أن الحجة تقوم بواحد من الرسل، فإن المقصود جلي، وهو: أن الكثرة تقطع المنازع، وتزيل الاشتباه.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير