تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أشرف بن محمد.]ــــــــ[16 - 03 - 05, 01:14 ص]ـ

ص284

المطلب الرابع

في تاريخ ونشأة الألقاب

لقد وُجدت الأسماء والألقاب مع وجود الإنسان، وذلك باعتبار المدنية الطبيعية المقتضية للتعامل مع الأشخاص والأشياء المختلفة الموجبة للتمييز فيما بينها، وتاريخ الألقاب عند العرب والمسلمين واسع الميدان بعيد المدى.

ولقد أولع العرب منذ القدم بالألقاب، فتفننوا بها، وتنابزوا ببعض منها، وتفاخروا ببعضا الآخر، وتعدوا الرجال إلى الخيول، فوضعوا لها الألقاب، وأبدعوا الأسماء، وصنعوا الشيء نفسه للسيوف والرماح، وغيرهما من عدة الحرب.

اهتم العرب بالألقاب، وشغلت حيزاً كبيراً من اهتماماتهم، فتفننوا في ابتكارها، وتندروا بها في اجتماعاتهم مجالسهم الأدبية وحلقاتهم العلمية.

هذا وقد اشتهرت الألقاب بين الرسل عليهم السلام: فمن أشرف من اشتهر باللقب الجميل:

- إبراهيم الخليل: في قوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء /125].

- موسى الكليم: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء/164].

- عيسى المسيح: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران/ 45].

- ولقب يونس بذي النون: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء /87].

قال الزمخشري: لم تكن الكنى لشيء في الأمم إلا للعرب خاصة، وهي من فخارها (1)، والكنية إعظام، وما كان يؤهل لها إلا ذو شرف من قومه، والذي

(1) الفخار: التمدح بالخصال، والافتخار، وعد القديم (لسان العرب: مادة فخر 5/ 48)

ص285

دعاهم إلى التكنية: الإجلال عن التصريح بالاسم بالكناية عنه، ثم ترقوا عن الكنى إلى الألقاب الحسنة.

وأما اللقب فهو غير خاص بالعرب، قال صاحب المدخل: إنها بدعة ممنوعة التجاوز في الألقاب، ووصف الإنسان بغير ما هو فيه (1).

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يلقب قبل البعثة بالأمين (2).

ووردت التواريخ بذكر ألقاب جماعة من العرب في الجاهلية: كذي يزن، وذي المنار، وذي نواس، وذي رعين، وذي جذن، وغيرهم، مما هو مشهور وشائع (3).

- وأغرب مافي تطور الألقاب: استعمالها للمدح والتعظيم، بعد أن كان للذم والاحتقار، قال تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات /11]

وقال فزارة:

الكنية حين أناديه لأكرمه ولا ألقبه فالسَّوْأة اللقب (4)

فعن أبي جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت معشر الأنصار {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} [الحجرات /11] قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم والرجل منا له الاسمان والثلاثة (5)، قال: فدعى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً باسم من تلك الأسماء فقالوا: يارسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنه يغضب من هذا، فأنزل الله تعالى {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} (6).

ولقد لقب رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه، منهم: (7)

(1) المدخل: ابن الحاج 2/ 127.

(2) راجع الحديث في مصنف عبد الرزاق: 5/ 313، والطبراني: المعجم الأوسط (2442) 3/ 50.

(3) صبح الأعشى 4/ 414.

(4) المزهر في علوم اللغة 1/ 273.

(5) يعني يلقبونه بألقاب كثيرة.

(6) أخرجه أحمد (18314) 4/ 260، وأبو داود عن موسى بن إسماعيل عن وهيب عن داود به، في الأدب، باب في الألقاب (4962) 4/ 290، وابن ماجة في كتاب الأدب، باب الألقاب عن أبي بكر (3741) 2/ 1231، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح 7/ 111.

(7) نزهة الألباب في الألقاب: ابن حجر 1/ 42.

ص286

1 - خالد بن الوليد: سيف الله، فعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال: أخذ الراية زيد حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم (1)، قال ابن حجر: " قوله: حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله يعني به خالد بن الوليد " (2).

2 - أبو عبيدة بن الجراح: أمين هذه الأمة، فعن أنس رضي الله عنه:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لكل أمة أمين، وإن أميننا – أيتها الأمة -: أبو عبيدة بن الجراح " (3).

3 - أبو بكر: بالصديق، روى ابن سعد أن رسول الله الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليلة أُسري بي: قلت لجبريل: إن قومي لا يصدقونني، فقال له جبريل: يصدقك أبو بكر، وهو الصديق " (4).

وقال ابن حجر: ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي صلى الله عليه وسلم (5)، وروى الطبراني من حديث علي: إنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق (6).

4 - عمر ابن الخطاب: بالفاروق، فعن أبي عمرو ذكوان قال: قلت لعائشة: من سمى عمر الفاروق؟ قالت النبي الله صلى الله عليه وسلم (7).

5 - وعثمان ابن عفان بذي النورين: كان يلقب بذي النورين؛ لأنه جمع بين ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم وعن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عثمان بن عفان أشبه

(1) صحيح البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة مؤتة من أرض الشام (4262) 5/ 86.

(2) فتح الباري: العسقلاني، ابن حجر 7/ 513.

(3) صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب أبي عبيدة بن الجراح (3745) 4/ 216.

(4) الطبقات الكبرى: ابن سعد 3/ 170.

(5) فتح الباري 7/ 9.

(6) الرياض النضرة: الطبري، أبو جعفر: 1/ 252.

(7) الطبقات الكبرى 3/ 270، تاريخ مدينة دمشق 44/ 50

ص287

الناس بي خلقاً وخلقاً وديناً وسمتاً، وهو ذو النورين، زوجته ابنتي، وهو معي في الجنة كهاتين) وحرَّك السبابة والوسطى (1)

يتبع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير