تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

6 ًـ وقد رُوِيَ هذا الحديث، في المسح على الخفّين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، مِنْ نحو ستّين طريقاً، (كما قال الإمام ابن عبد البرّ في " التمهيد" ج 11 صـ127). كلّهم يقول فمسح على الخفّين، إلا أبا قيس ـ عبد الرحمن بن ثَرْوان ـ قال: ومسح على الجوربين والنعلين. فخالف الجميع. وقد وثّقه العجلي و ابن معين، ومع ذلك قال ابن معين: الناسُ كلُّهم يروونه على الخفّين، غيرَ أبي قيس. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح، هو ليّن الحديث. وقال الدّارقطني في (العلل) 7/ 112 عند الكلام على هذا الحديث: لم يرْوه غير أبي قيس، وهو مما يُغْمَزُ عليه به، لأنّ المحفوظ عن المغيرة المسحُ على الخفين. وقال عبدُ الله بنُ أحمد ـ فيما نقلَه العُقَيلي ـ: سألتُ أبي عن أبي قيس عبد الرحمن بن ثروان، فقال: هو كذا وكذا ـ وحرَّك يده ـ وهو يُخالِفُ في أحاديث. وقال الحافظ ابن حجر عنه:صدوق ربّما خالف.

ورحم الله عمر بن الخطاب القائل: (السنّةُ ما سَنّهُ اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم لا تجعلوا خطأَ الرأي سنّةً للأمّة)

ــ فإذا تبَيَّن لك الأمرُ وعلمتَ أن الحديث غير صحيح، أدْرَكتَ أنه ليس للقائلين بجواز المسح على الجوربين مستندٌ شرعي إلا القياس، والمعروف أن القياس في العبادات ضعيف، وإذا كان بعض العلماء يُجيز القياس في العبادات، فإنهم لا يجيزونه في الرُّخَص باتفاق [9]. لكن لمّا ثبت عن بعض الصحابة أنهم مسحوا على الجوربين والنعلين علمنا أنهم أنزلوا الجوربَ مع النعل منزِلَةَ الخُفِّ، وهذا ما يسمّيه علماء الأصول (تحقيق المناط) [10] أي أن الجورب الذي مسحوا عليه هو في معنى الخف فيأخذ حكمه. وأمّا الذين اعتمدوا على القياس في تجويزهم المسح على الجوربين، فإنّ قياسهم كان جليّاً، أي يجب أن يكون الجورب مشابهاً للخف في أهمِّ صفاته من إمكان المشي وتغطية الكعبين ومشقّة النزع [11].

00000000000000000000000000000000000000000000000000 0000000000000000000000000000000000000000000000

9ــ القياس كما يعرّفه علماء الأصول: هو بيانُ حكم أمرٍ غير منصوصٍ على حُكمِه بإلحاقه بأمرٍ معلوم حكمه بالنصَّ عليه في الكتاب أو السنّة. أو هو إلحاقُ أمر غير منصوصٍ على حكمه بأمرٍ آخر منصوص على حكمه للاشتراك بينهما في علّة الحكم. فهو إذاً من باب الخضوع لحكم التماثل بين الأمور الذي يوجب التماثلَ في أحكامها، إذ أساسه ربط ما بين الأشياء بالمماثلة إن توافرت أسبابها، ووُجدت الصفات المتّحدة المكونة لها، وإذا تمَّ التماثل في الصفات فلا بدّ أن يقترن به حتماً التساوي في الحكم على قدر ما توجبه المماثلة. وأما أركان القياس فهي:

1ـ الأصلُ: وهو المصدرُ مِنَ النصوصِ الذي بيَّنَ الحُكمَ.

2ـ الفرعُ: وهو الموضوع الذي لم يُنَصّ على حُكمِه.

3ـ الحكمُ: وهو الذي اتجه القياس إلى تعدّيه من الأصل إلى الفرع.

4ـ و العلّة: المشتركة بينهما.

فلا يُقاسُ على حُكمٍ ثَبَتَ بالقياس.!

إنّ الركن الثالث من أركان القياس وهو الحكم له عدة شروط: أوّلها: أن يكون حكماً شرعيّاً عملياً.

ثانيها: أن يكون الحكم معقول المعنى، بحيث يُدرِك العقل السبب في شرعيّته، كتحريم الخمر والميسر، وتحريم الميتة، وتحريم الغش والرشوة، فإنّ هذه الأحكام يدرك العقل سبب شرعيتها، وأمّا إذا كان الحكم غير معقول المعنى في ذاته كالتيمم مثلاً، أو كعدد الركعات في الصلاة، فإن هذه كلها أحكام لا يدرك العقل حكمتها. ولهذا يقسم العلماء الأحكام إلى قسمين: أحكام تعبّدية، وهذه لا يجري فيها القياس. والقسم الثاني أحكام معقولة المعنى وهذه يجري فيها القياس، لأنه يمكن العقل البشري أن يدرك علّتها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير