ثالثها: ألا يكونَ الأصلُ معدولاً به عن القياس، كالسفر في إباحته للإفطار فلا يصح أن تُقاس عليه الأعمال الشّاقة، وكالمسح على الخفّين، فإنه لا يصح أن يُقاس عليه المسح على الجوارب، فإن هذه الأحكام ثابتةٌ على وجه استثنائي على خلاف القياس، وما جاء على خلاف القياس فلا يُقاس عليه غيره، ومثل ذلك الأكل ناسياً و الشرب ناسياً، فإنه جاء على خلاف القياس فلا يُقاس عليه الخطأ أو الجهل وهكذا.
رابعها: ألا يكون الحكم الذي جاء به الأصل ثَبَتتَ خصوصيّته: كشهادة خزيمة إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادة اثنين، وكتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من أربع. انتهى
والعلماء يقسمون الأحكام التي جاءت مخالفة للقياس إلى أربعة أقسام: 1ـ أحكام ثبت خصوصها كعدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم. 2ـ الأمور التعبّدية التي ثبت أنها غير معللة وغير معقولة المعنى في ذاتها، وإن كان لها أغراضها السامية ومقاصدها العالية. 3ـ الأحكام التي تثبُتُ رُخَصَاً منْ حكم عام، ولا يُعَارِضُ الحُكْمَ إلا ما يكونُ في قوَّته وليس القياسُ في قوّة الحكم العام المثبت للعزيمة. 4ـ ما استثني من قاعدة عامة، وكان للاستثناء معنى قائم بذاته استوجب ذلك الاستثناء. انتهى
بتصرّف من أصول الفقه لمحمد أبو زهرة
10ـ ناط الشيء بغيره: علّقه. وعند علماء الأصول مناط الحكم: علّته. وهناك ثلاثة ألفاظ له عندهم وهي تخريج المناط و تنقيح المناط وتحقيق المناط، ولكل واحدة مدلولها الخاص.
11 ـ ولكي يكون القياس جلياً لابدّ من معرفة العلّة. وكما هو معروف عند العلماء فإنّ العلّة هي الأصل الذي قام عليه القياس وقد عرّفها بعض العلماء بأنها: الوصفُ الظاهر المنضبط المناسب للحكم. وعرّفها آخرون بأنها: الوصف المتميّز الذي يشهد له أصل شرعي بأنه نيط به الحكم. والتعريفان متفقان. وعلى ذلك فإن شروط العلة التي يمكن القياس عليها هي:
1ـ أن تكون وصفاً ظاهراً، فإذا كانت العلة أمراً باطناً نفسياً أقام الشارع أمراً ظاهراً يدلُّ عليه.
2ـ أن تكون وصفاً منضبطاً، لا يختلف باختلاف الأحوال ولا باختلاف البيئات.
3ـ أن تقوم سمةٌ مناسبة أو ملائمة بين الحكم والوصف الذي اعتبر علّة.
4ـ أن تكون العلّة متعدية غير مقصورة على موضع الحكم. (كالسفر فإنه مقصور على الصيام من حيث أن يرخص الإفطار والقضاء من أيام أخر، فلا يصلح علَّةً لعدم أداء الصلاة).
5ـ ألا يكون الوصف قد قام الدليل على عدم اعتباره، وذلك إذا كان مخالفاً لنص ديني.
00000000000000000000000000000000000000000000000000 000000000000000000000000000
وإليك بيان أقوالهم: قال الحافظ ابن القيّم في تعليقاته على سنن أبي داود، بعد أن قرّر ضعفَ حديث المسح على الجوربين، وثبوته (أي المسح) عن بعض الصحابة: " .. والعمدةُ في الجواز على هؤلاء _ رضي الله عنهم _ لا على حديث أبي قيس. .. ثم قال: و قد نص الإمام أحمد على جواز المسح على الجوربين و علّل رواية أبي قيس. وهذا من إنصافه وعدله رحمه الله، وإنما عمدته هؤلاء الصحابة و صريحُ القياس، فإنه لايظهر بين الجوربين والخفين فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه) انتهى.
ـــ وقال الجصّاص في كتابه أحكام القرآن ج 2 سورة المائدة باب غسل الرِّجلين:
" فإن قيل: روى المغيرة بن شعبة وأبو موسى: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه). قيل له: يحتمل أنهما كانا مجلَّدين، فلا دلالة فيه على موضع الخلاف ; إذ ليس بعموم لفظ وإنما هو حكاية فعلٍ لا نعلم (أي وَصْفَه). ومن جهة النظر اتفاق الجميع على امتناع جواز المسح على اللفافة ; إذ ليس في العادة المشي فيها، كذلك الجوربان. وأما إذا كانا مجلَّدين فهما بمنزلة الخفين ويمشي فيهما وبمنزلة الجرموقين، ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه إذا كان كله مجلداً جاز المسح؟ ولا فرق بين أن يكون جميعه مجلداً أو بعضه بعد أن يكون بمنزلة الخفين في المشي والتصرف. انتهى والجصاص هو من علماء الحنفية وهم أهل القياس كما لايخفى.
ــ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما سُئِلَ عن المسح على الجوربين:
¥