: ...... ولأبي حنيفة أنّ جواز المسح على الخفين ثبتَ نصاً، بخلاف القياس، فكل ما كان في معنى الخف في إدمان المشي عليه، وإمكان قطع السفر به، يلحق به، وما لا فلا، ومعلوم أن غير المجلد، والمنعّل، من الجوارب لا يشارك الخف في هذا المعنى، فتعذر الإلحاق ... وأمّا الحديث فيحتمل أنهما كانا مجلّدين، أو منعّلين، وبه نقول: ولا عموم له، لأنه حكاية حال، ألا يرى أنه لم يتناول الرقيق من الجوارب؟ وأما الخف المتخذ من اللبد، فلم يذكره في ظاهر الرواية، وقيل: " إنه على التفصيل، والاختلاف الذي ذكرنا "، وقيل: " إن كان يطيق السفر جاز المسح عليه، وإلا فلا " وهذا هو الأصح. انتهى
· و لمزيد التوضيح إليك هذا البيان:
فبعد أن علمتَ أن المستندَ الشرعي للمجوِّزين المسحَ على الجوربين _ من الصحابة وغيرهم _ هو تحقيق المناط أو صريحُ القياس لا مطلق القياس ـ كما يظنّ البعض أنّ كلّ ما يستر القدم جاز المسح عليه قياساً على الخف [12]ـ بقي أن تعلم أن معظم من صحَّ عنه المسح على الجوربين من الصحابة إنّما جاءت الرواية عنه بأنه مسح على الجوربين والنعلين هكذا معاً، وإليك بعضها:
1_ عن كعب بن عبد الله قال: رأيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه بال فمسح علىجوربيه و نعليه.
2_ عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه قال: رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه.
3_ و عن همام بن الحارث عن أبي مسعود البدري أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه
وحتى في حديث المغيرة بن شعبة (الذي حكم الحفّاظ بضعفه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضّأ ومسح على الجوربين والنعلين.
ـ إذاً فالترخيص بالمسح على الجوربين عند هؤلاء إنما جاء مقروناً بلبسهما مع النعلين، ويكون المسح عليهما معاً، لا على واحد منهما دون الآخر. والدليل على ذلك أن المسح على النّعلين فقط لم يجوِّزه أحدٌ من الفقهاء الذين رخّصوا بالمسح على الجوربين فيما أعلم. واشتراطُ النعلين مع الجوربين هو عند الجميع، وإليك كلام العلماء:
_ قال العظيم آبادي عند شرح حديث المغيرة: " ... ومعناه: أن النعلين لبسهما فوق الجوربين كما قاله الخطّابي. فمسح على الجوربين و النعلين معاً، فلا يستدل به على جواز مسح النعلين فقط، قال الطّحاوي: مسحَ على نعلين تحتهما جوربان، وكان قاصداً بمسحه ذلك إلى جوربيه لا إلى نعليه ... فكان مَسْحُهُ على الجوربين هو الذي تَطَهّرَ به، ومَسْحُهُ على النعلين فضلٌ .. انتهى
عون المعبود ج1 صـ182ـ184
00000000000000000000000000000
12ـ روي عن الإمام مالك رحمة الله عليه أنه قال: (إنّ المُغرقَ في القياس يكاد يفارق السنة)
0000000000000000000000000000000000
_ وقال الإمام النووي في المجموع ج1 صـ 565: " .. واحتجّ من منعه مطلقاً بأنه لا يسمى خفاً فلم يجز المسح عليه كالنعل. انتهى
ــ وتَرْجَمَ الإمام البخاري في صحيحه (كتاب الوضوء):
بابُ غسل الرِّجلَين في النّعلين، ولا يمسحُ على النعلين. انتهى
ــ و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ج21 صـ184:
" .. بل المنصوص عن أحمد في غير موضع أنه يجوز المسح على الجوربين و إن لم يثبتا بأنفسهما، بل بنعلين تحتهما، وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين. انتهى
ــ وقال أيضاً في الفتاوى ج21 صـ192:
" ... فأمَرَهم بالقطع حينئذٍ لأن المقطوع يصير كالنعلين، فإنه ليس بخف. ولهذا لا يجوز المسح عليه باتفاق المسلمين، فلم يدخل في إذنه في المسح على الخفّين ". انتهى
_ فإذا كان الأمر كذلك فما الدليل على جواز المسح على الجوربين وهما خارج النعلين؟
أمّا الأئمة الذين ذكرناهم في المجوّزين للمسح على الجوربين فقد اشترطوا النعلين أو ما يقوم مقامهما (بمعنى أن يكون الجورب مما يُمشى فيه)؛ وقد مرّ معنا كلامهم فيما سبق، فمن ذلك قول الإمام أحمد السابق الذي رواه ابن تيمية، وكذلك ما حكاه البيهقي رحمه الله عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسحَ على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة، فكأنه قال: مسح جوربيه المنعّلين.
¥