تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما يدل على ذلك. وروايةُ البيهقي هي: عن راشد بن نجيح (الحماني) قال: (رأيت أنس بن مالك دخلَ الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خزٌّ [13] فمسح عليهما). (البيهقي: 1/ 273) وسندها حسن.

0000000000000000000000000000000000000

13ـ الخزُّ من الثياب: ما يُنسج من صوف وإبريسم.

000000000000000000000000000000000000

وهذا وصفٌ واضحٌ للجورب الذي مسح عليه أنسٌ رضي الله عنه، فمن أراد أن يُقلِّده في المسح وَجَبَ عليه أن يمسحَ على جورب مثل جوربه.

ــ وقد علّق الإمام ابن القيّم على كلام الأستاذ أبي الوليد فقال: " والظّاهر أنه مسح على الجوربين الملبُوسِ عليهما نعلان منفصلان. هذا المفهوم منه ..... وأيضاً فالمنقول عن عمر بن الخطّاب في ذلك أنه مسح على سيور النّعل التي على ظاهر القدم مع الجورب، فأمّا أسفله وعقبه، فلا. انتهى عون المعبود ج 1 صـ184

أقول: إنّ معنى كلام ابن القيّم أنه لا يمكنُ أن نستفيد من الحديث جوازَ المسح على النعلين فقط لأن النّعل تكون أسفل القدم، وهي من جلدٍ غليظ أو رقيق، وتُثَبّتُ النعلُ في القدم بواسطة سيورٍ وأربطة، ومن المعلوم أنّ السنّة في مسح الخف هي مسحُ ظاهِرِه لا أسفله؛ وأسفلُ الخف هو كالنعل؛ فلا يعقل أن لا يمسح أسفل الخف ثُمّّ هو يمسح النعل!

وقد ذكر هذا المعنى أيضاً العلاّمة ابن قدامة المقدسي في المغني ج1 صـ 375

ـــــ وقد يستشهد البعض بأثر يرويه الدولابي عن سهل بن زياد أبو زياد الطحان عن الأزرق بن قيس قال: " رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خفان، ولكنهما من صوف ".

وقد صحح الشيخ أحمد شاكر هذا الأثر مع أنّه لا يصح، لأنّ راوِيه سهل بن زياد الطحان لم يَرِدْ فيه تعديل، وإنّما قال الأزدي عنه: " منكر الحديث " ومعنى هذا الكلام أنه سَبَرَ أحاديثه وتقصّى حاله، فيكون هذا الوصف منه جرحاً مفسَّراً. بخلاف ما لو قال عنه: " ضعيف "، فقط ولم يزد على ذلك، فإنه يكون جرحاً غير مفسر. والمعروف عند أهل الحديث أنّهم يشترطون تفسيرَ الجرح عند وجود تعديلٍ للرَّاوي لا عند غياب التعديل كما هي الحالة هنا. وسكوت البخاري عنه في تاريخه لا يعني أبداً أنه ثقةٌ عنده، وإنما يعني أنه لا يعرف حاله، فيُقدّمُ كلام الأزدي. وكيف يكون ثقةً وهو إنّما ذُكر في تراجم ميزان الاعتدال أو لسان الميزان، وكما هو معروف عند أهل الحديث أن هذين الكتابين يُترجمان للمجروحين!

ومع ذلك فإن هذا الأثر لا يصلح حجّة لهم، لأنّ أنساً رضي الله عنه قال إنهما خفّان. أي إنه ما ترخّص في المسح عليهما إلا لأنّهما عنده في معنى الخفّ، يمشي عليهما، ومرّ معنا آنفاً ما رواه البيهقي عن أنسٍ مما يدل على أن الجوربين كانا منعّلين.

· وأمّا مسألة رخصة المسح وضوابطها، فلا بد قبل كلّ شيء من توضيح معنى

الرخصة ومعنى العزيمة. قال علماءُ الأصول إنّ العزيمة: هي الحكم الأصلي الذي شُرِع ابتداءً ويشمل الناس جميعاً، والكل مخاطبٌ به.

والرّخصة: هي حكمٌ جاء مانعاً من استمرار الإلزام في الحكم الأصلي بسبب قيام مسوِّغ لتخلّف الحكم الأصلي. وللرخصة أسباب: منها الضّرورة، كمن يخشى على نفسه الموت ولا يجد ما يأكله إلا الميتة فإنه يكون له أكلها. ومنها دفع الحرج والمشقّة كرخصة الإفطار في رمضان. وفي حال الضرورة قد يكون الرّجل مخيّراً بين الأخذ بالرّخصة والأخذ بالعزيمة وذلك كمن أكره على النطق بالكفر تحت التهديد بالقتل، فإنه يجوز له النطق بالكفر وقلبه مطمئنٌّ بالإيمان، ويجوز له أن يمتنع فيُقْتَل.

وقد يكون غير مخيّرٍ بين الأخذ بالرخصة والأخذ بالعزيمة وذلك إذا خشي على نفسه الموت من الجوع وليس أمامه إلا الأكل من المحرّمات كالميتة أو لحم الخنزير فإنه في هذه الحال يجب عليه أن يتناول هذه المحرّمات للحفاظ على حياته، وبذلك الوجوب يخرُج الأمر عن أنه رخصة لأنّ الترخيص يقتضي الجواز بأن يكون هناك حكمان في المسألة: حكم العزيمة، وحكم الرخصة، وبإيجاب التناول خرج الأمر عن أنه رخصة إذا سقط الحكم الأول. بخلاف ما لو كان ليس أمامه إلا الأكل من مال الغير فإن حكم العزيمة باقٍ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير