2. الأغلبية، وهذا ما أكد عليه تعريف الحموي السابق، حيث اعتبر أن القاعدة الفقهية حكم أكثري وأغلبي لا كلي، وذلك لوجود المستثنيات والشواذ في القاعدة الفقهية أكثر مما توجد في غيرها من القواعد والعلوم الأخرى. ثم إن الشيخ مصطفى الزرقاء أيضا، أكد هذا المعنى بقوله إن القواعد الفقهية: "أحكام أغلبية غير مطردة، لأنها إنما تصور الفكرة الفقهية المبدئية التي تعبر عن المنهاج القياسي العام في حلول القضايا وترتيب أحكامها ... ولذلك كانت تلك القواعد الفقهية قلما تخلو إحداها من مستثنيات في فروع الأحكام التطبيقية خارجة عنها، إذ يرى الفقهاء أن تلك الفروع المستثناة هي أليق بالتخريج على قاعدة أخرى، أو أنها تستدعي أحكاما استحسانية خاصة، وإلى هذا المعنى أشار بعض المالكية بقوله: "من المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية".
المطلب الثالث
أهمية القواعد في الفقه
وفي بيان أهمية المعرفة بالقواعد الفقهية يقول الإمام القرافي:"فإن الشريعة المعظمة المحمدية زاد الله تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان:
أحدهما المسمى بأصول الفقه، وهو ي غالب أمره ليس فيه إلا قواعد الأحكام الناشئة عن الألفاظ العربية خاصة، وما يعرض لتلك الألفاظ من النسخ والترجيح، ونحو الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، والصيغة الخاصة للعموم، ونحو ذلك، وما خرج عن هذا النمط إلا كون القيا حجة، وخبر الواحد، وصفات المجتهدين.
والقسم الثاني قواعد كلية فقهية جليلة، كثيرة العدد، عظيمة المدد، مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، لكل قاعدة من الفروع في الشريعة ما لا يحصى، ولم يذكر منها شيء في أصول الفقه، وإن اتفقت الإشارة إليه هنالك على سبيل الإجمال، فبقي تفصيله لم يتحصل.
وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف، ويظهر رونق الفقه ويعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتكشف، فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر ولم تقض نفسه من طلب مناها. ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره وتناسب، وأجاب الشاسع البعيد وتقارب، وحصل طلبته في أقرب الأزمان، وانشرح صدره لما أشرق فيه من البيان، فبين المقامين شأو بعيد، وبين المنزلتين تفاوت شديد".
وفي بيان فوائد القواعد الفقهية وأهميتها أيضا، يقول ابن رجب الحنبلي بأنها:" تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد".
وقال السيوطي أيضا:" اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظي به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومأخذه وأسراره، ويتميز في فهمه واستحضاره، ويقتدر عل الإلحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة، والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مر الزمان. ولهذا قال بعض أصحابنا: الفقه معرفة النظائر".
وقال الإمام الزركشي:" وهذه قواعد تضبط للفقيه أصول المذهب، وتطلعه من مآخذ الفقه على نهاية المطلب، وتنظم عقده المنثور في سلك، وتستخرج له ما يدخل تحت ملك ... "
ومن خلال ما سبق، تتبين أهمية القواعد الفقهية وفوائدها كما يلي:
1 - أنها أحد قسمي أصول الشريعة الإسلامية.
2 - أنها تشتمل على أسرار الشرع وحكمه و مقاصد ه.
3 - أن درجة الإحاطة بها مقياس لتقدير الفقهاء.
4 - أنها توضح مناهج الفتوى، وتعين على فهم الفقه، وحقائقه ودقائقه، ومداركه ومآخذه.
5 - أنها تغني عن حفظ الجزئيات، و أحكام الفروع والمسائل.
6 - أنها تنظم منثور المسائل، وتجمع الشتات، وتقيد الشوارد.
7 - أنها تعين على معرفة الأحكام، وتخريج المسائل وإلحاقها بأصولها.
المطلب الرابع
نشأة القواعد الفقهية
لمحة تاريخية مختصرة
¥