فالمقري في قواعده يعرفها ب "كل كلي هو أخص من الأصول وسائر المعاني العقلية العامة، وأعم من العقود وجملة الضوابط الفقهية الخاصة"، وهو تعريف يتميز بالدقة والجزالة بين باقي التعريفات، إذ يصدق على القاعدة الفقهية ويحول دون دخول القواعد اللغوية أو الأصولية، حيث ميزها عما هو من قبيل الأصول والضوابط في الاصطلاح.
ثالثا، الأكثر تدقيقا في التفريق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي
وهذا ما نبه إليه بعض فقهاء المالكية أيضا، فقد جاء في حاشية البناني المالكي (1198ه) قوله: "والقاعدة لا تختص بباب بخلاف الضابط"
ويوضح هذا الفرق جيدا تاج الدين السبكي عند قوله عن القاعدة "ومنها ما لا يختص بباب كقولنا اليقين لا يزول بالشك، ومنها ما يختص كقولنا: كل كفارة سببها معصية فهي على الفور، والغالب فيما اختص بباب وقصد به نظم صور متشابهة أن يسمى ضابطا".
في حين نجد أن بعض فقهاء الحنفية لا يلحظون هذا الفرق بين القاعدة والضابط مثل النابلسي في شرح الأشباه والنظائر له إذ يقول: القاعدة هي في الاصطلاح بمعنى الضابط".
رابعا، سبقهم في التفريق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:
حيث إن الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية، المشار إليه في تعريف المقري المالكي، فإن شهاب الدين القرافي يعتبر أول من ميز بينهما، قال في مقدمة كتابه "الفروق": "فإن الشريعة المعظمة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأصولها قسمان: أحدهما المسمى بأصول الفقه ... والثاني قواعد فقهية كلية لم يذكر شيء منها في أصول الفقه، وقال في موضع آخر "فإن القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والقضاء لا توجد في كتب أصول الفقه أصلا".
خامسا، انتباههم إلى أن القواعد الفقهية تكثر فيها الاستثناءات:فهي ليست عامة، وإلى هذا أشار بعض علماء المالكية بقوله: "من المعلوم أن أكثر قواعد الفقه أغلبية"، ويوضح هذه المسألة بشكل جيد أبو إسحاق الشاطبي في الموافقات حيث قال: "لما كان مقصد الشارع ضبط الخلق إلى القواعد العامة، وكانت القواعد التي جرت بها سنة الله أغلبية وأكثرية لا عامة، وكانت الشريعة موضوعة على مقتضى ذلك الوضع كان الأمر الملفت إليه إجراء القواعد على العموم التام الذي لا يتخلف عنه جزئي ما".
سادسا، تقسيم المالكية القواعد الفقهية إلى قسمين:
ما هو أصول لمسائل، بقصد ذكر النظائر دون الإشارة إلى الخلاف.
ما هو أصول لأمهات الخلاف.
وهذا المسلك سلكه الزقاق في "المنهج المنتخب" وتبعه في ذلك المنجور في شرحه عليه، كما حافظ عليه محمد به علي في "شفاء الغليل"، وهو تقسيم طريف جديد يعد من محاسن هذه الكتب وخصائصها.
سابعا، صياغتهم لقواعد الخلاف صياغة استفهامية:
لأجل لفت الانتباه إلى الخلاف فيها بين العلماء .. وهذا أسلوب نهجه كل من الزقاق في "المنهج المنتخب"والونشريسي في "إيضاح المسالك".
ثامنا، ببيان الفروق بين القواعد الفقهية:
وتميز المالكية أيضا، ببيان الفروق بين القواعد الفقهية وكان لهم قصب السبق في ذلك، حيث إن الكتب التي ألفت قبل فروق القرافي كان موضوعها بيان مسائل جزئية تشابهت صورها واختلفت أحكامها فقط، والقرافي بسلوكه منهج التفريق بين القواعد كان مبتكرا، وأتى بما لم يسبق إليه، فلكتابه "الفروق" من الشرف على تلك الكتب شرف الأصول على الفروع".
تاسعا، إفراد التأليف في الضوابط والكليات الفقهية بشكل مستقل:إفراد المالكية التأليف في الضوابط والكليات الفقهية بشكل مستقل، مثل ما فعل محمد بن عبد الله المكناسي في "الكليات في الفقه"، والقلصادي في "الكليات في الفرائض" والمقري عندما جعل للكليات فصلا مستقلا من كتابه "عمل من طب لمن حب".
عاشرا، النزوع نحو تبويب فقهي جديد:
النزوع نحو تبويب فقهي جديد يخالف العادة في كتب الفقه، واستحداث أبواب جديدة مستقلة عهدت مواضيعها منثورة في أبواب مختلفة دون أن تبرز بعناوين بارزة مستقلة مثل باب أحكام المرأة، وباب الشروط، وباب البنيان: وممن نهج هذا المنهج ابن حارث في كتابه "أصول الفتيا"، وعظوم في "المسند المذهب في قواعد المذهب".
الحادي عشر، النزوع إلى التطبيق العملي للقواعد:
تميز التأليف عند المالكية أن بعضهم نزع إلى التطبيق العملي للقواعد ويظهر هذا التطبيق بوضوح في كتاب عظوم وهي ميزة يظهر أنه تميز بها خاصة في تطبيق القاعدة على النازلة. كما أن هدف كثير من علماء المالكية من وراء تآليفهم في محال القواعد والكليات كان هو مساعدة أهل القضاء، وممن ظهر عندهم هذا الهدف بشكل واضح الشيخ عظوم، وابن حارث ومحمد العربي العلوي في "قواعد الفقه"، الذي بين قصده هذا قائلا: وغرضي أن أضع كتيبا صغيرا في أقل حجم ممكن يضعه القاضي في طاولته أثناء قيامه بمهمته يعينه على العثور على النص الفقهي الذي ينطبق على نازلته في أقل وقت".
الثاني عشر، التأليف بالنظم الشعري:
كما تميز التأليف عند المالكية، وتفوق في مجال القواعد الفقهية بالنظم الشعري لقواعدهم حيث تعتبر منظومة الزقاق "المنهج المنتخب" من أشهر وأقوم ما كتب في الموضوع على طراز المنظومات، ولقد سلك سبيله من المالكية كل من ميارة في "تكميل المنهج"، والولاتي في "المجاز الوضح"، والونشريسي الإبن في "المقتبس" والسجلماسي في "عقد الجواهر في نظم النظائر".
الثالث عشر، كثرة التآليف والمصنفات:
وتميز المالكية أيضا، بكثرة تآليفهم ومصنفاتهم في مجال القواعد والضوابط والكليات الفقهية، فكما يلاحظ من البحث فهي تزيد على الثلاثين مؤلف ما بين أصل وشرح وتهذيب وتلخيص وترتيب وتعقيب وتكميل ونظم.
الرابع عشر، الكثرة والتنوع:
وتميز المالكية أيضا، بكثرة قواعدهم وتنوعها فقد بلغت قواعد الإمام المقري ألفا ومئاتان وخمسين قاعدة وهذا رقم أحسب أنه لا يوجد في غير المذهب المالكي والله أعلم.
[email protected]
¥