كذلك هذا وارد عن الصحابة رضي الله عنهم ..
فلم يقولوا بالظن ثم نسبوه إلى الله تعالى ولا إلى الشرع ..
بل تبرأ المفتي منهم من هذا القول ونسبه إلى الشيطان إن كان خطأ ..
ولم يلزم أحد من الصحابة الناس ولم يقل أنه شرع يجب الالتزام به إن حكم بالظن ..
ولو رجعنا إلى أخبارهم لعلمنا هذا علم يقين ..
وأقرب من ذلك كله فعل النبي صلى الله عليه وسلم ..
فهو أعلم خلق الله بكتاب ربه ودينه فلم يقل قولاً بناء على الظن ..
لذلك فأهل الظاهر يعملون كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم بأن لا يحكموا بشيء أو على شيء بناء على الظن ..
وقد يحكم الصحابي بالظن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ثم لا ينكر عليه ويوجهه للحكم الصحيح ..
وهذا مما أجمعت عليه الأمة من أن المجتهد لا ينكر عليه وإن أخطأ ..
بل له أجر واحد إن أخطأ ..
ولو رجعنا لأخبار الصحابة لما وجدنا قول أحدهم بالظن ينسبه إلى الله وشرعه ..
فلا يحل عند أهل الظاهر نسبة هذا الظن إلى الشرع بل ينسب إلى قائله ولا يلزم به أحد من الناس .. ).
أما القول بأن الشريعة منعت الحكم بالظن مطلقا فقد بينا الرد عليه بأدلة الكتاب و السنة في المشاركات السابقه فلا وجه لإيرادها هنا و بينا أن هناك ظن مشروع و ظن ممنوع.
و أما الإحتجاج بكلام الأئمة و توقيهم نسبة الحكم إلى الله فهذا حجة لنا لأن الأئمة و إن تورعوا عن إطلاق الألفاظ فإنهم لم يتورعوا عن العمل بما ترجح عندهم و لم يكن هذا عندهم من اتباع الظن الممنوع بل هو من اتباع الظن المشروع فإنهم رحمهم الله لو جزموا بأن ما ترجح عندهم هو حكم الله في نفس الأمر لما توقفوا عن إطلاق لفظ الحرام أو الحلال عليه فلم يبق إلا غلبة الظن و تعارض عندهم عدم جزمهم بنسبة هذا الحكم إلى الله و غلبة ظنهم بأن هذا حكم الله فالتزموا الحكم حقيقة و تورعوا عن إطلاق اللفظ ثم إنهم لم يتوقفوا في العمل بهذا الحكم الذي غلب على ظنهم فلا وجه إذا للإحتجاج بتوقفهم عن إطلاق اللفظ إذا كانوا عملوا بالحقيقة فالعبرة بالحقائق لا بالإسماء.
فقولهم نكره هذا أو يعجبنا هذا أو نقول برأينا فإن كان صواب فمن الله و إن كان خطأ فمنا و من الشيطان و غيرها من العبارات كلها هذه أحكام و تواقيع عن الله و إن لم ينسبوها إلى الله لفظا فحقيقة يتعاملون معها تعامل الشرع لأنه قد غلب على ظنهم هذا الحكم أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله فتلفظوا بهذه العبارات لذا تجد من تبعهم على مذهبهم يأخذ هذه العبارات كأقوال للإمام في مسائل الشرع و مثل هذا لا يحتاج إلى تطويل فنظر قليل إلى كتب الفقهاء من المتقدمين و المتأخرين يقطع به الناظر على صحة هذه الحقيقة التي ذكرناها فإلزامهم أنفسهم بما غلب على ظن ينقض القاعدة الكلية بأن لا يجوز اتباع الظن مطلقا لأنهم ألزموا أنفسهم بما غلب على ظنهم و لا فرق بين أن يلتزموه هم أو يلتزمه غيرهم لأنه على ما أصله الأخ الفاضل لا يجوز اتباع الظن مطلقا.
أما ما يلزم الناس فهو النص القطعي و الإجماع القطعي أما فيما اختلف فيه أهل العلم فلا يلزم قول العالم أحد إلا من أخذ بقول هذا العالم إلا أن يكون الدليل ظاهر الرجحان و كان القول الآخر مما يعد من شذوذ القول قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله (فالمفتي والجندي والعامي إذا تكلموا بالشيء بحسب اجتهادهم اجتهادًا أو تقليدًا قاصدين لاتباع الرسول بمبلغ علمهم لا يستحقون العقوبة بإجماع المسلمين وإن كانوا قد أخطؤوا خطأ مجمعًا عليه. وإذا قالوا: إنا قلنا الحق، واحتجوا بالأدلة الشرعية، لم يكن لأحد من الحكام أن يلزمهم بمجرد قوله، ولا يحكم بأن الذي قاله هو الحق دون قولهم، بل يحكم بينه وبينهم الكتاب والسنة والحق الذي بعث الله به رسوله لا يغطي بل يظهر، فإن ظهر رجع الجميع اليه، وإن لم يظهر سكت هذا عن هذا وسكت هذا عن هذا؛ كالمسائل التي تقع يتنازع فيها أهل المذاهب لا يقول أحد: إنه يجب على صاحب مذهب أن يتبع مذهب غيره لكونه حاكمًا، فإن هذا ينقلب، فقد يصير الآخر حاكمًا فيحكم بأن قوله هو الصواب، فهذا لا يمكن أن يكون كل واحد من القولين المتضادين يلزم جميع المسلمين اتباعه، بخلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه من عند الله، حق وهدي وبيان، ليس فيه خطأ قط، ولا اختلاف ولا تناقض قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ
¥