ومثل قوله لمن أحرم بالعمرة في جُبَّةٍ مُتضَمخًا بالخلوق: (انزع عنك الجبَّة واغسل عنك أثر الصُّفرة)، هل أمره بالغسل لكون المحرم لا يستديم الطيب كما يقوله مالك؟ أو لكونه نهي أن يتزعفر الرجل فلا يمنع من استدامة الطيب كقول الثلاثة؟ وعلى الأول فهل هذا الحديث منسوخ بتطييب عائشة له في حجة الوداع؟.
ومثل قوله لما سئل عن فأرة وقعت في سَمْنٍ: (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم)، هل المؤثر عدم التغير بالنجاسة، أو بكونه جامدًا، أو كونها فأرة وقعت في سمن، فلا يتعدي إلي سائر المائعات؟ ومثل هذا كثير، وهذا لابد منه في الشرائع، ولا يسمي قياسًا عند كثير من العلماء كأبي حنيفة ونفاة القياس؛ لاتفاق الناس على العمل به كما اتفقوا على تحقيق المناط، وهو: أن يعلق الشارع الحكم بمعني كلي فينظر في ثبوته في بعض الأنواع أو بعض الأعيان، كأمره باستقبال الكعبة، وكأمره باستشهاد شهيدين من رجالنا ممن نرضي من الشهداء، وكتحريمه الخمر والميسر، وكفرضه تحليل اليمين بالكفارة، وكتفريقه بين الفدية والطلاق، وغير ذلك. .. ).
فكما أنه يجب الإجتهاد و استفراغ الوسع في تحقيق التأصيل كذلك يجب استفراغ الوسع و الإجتهاد عند التنزيل و هذا بإجماع العلماء لذا لا يقال بأنه لا يعنينا صدق الشهود أو كذبهم بل يعنينا هذا و يجب علينا الجزم به فإن لم نستطع الجزم فغلبة الظن تكفي و لكن يقال بأنه بعد الإجتهاد و استفراغ الوسع لا يأثم من أخطا في الحكم و هذا يعم التأصيل و التنزيل فإنه كما أنه يجب الإجتهاد في التأصيل كذلك يجب الإجتهاد في التنزيل و كما أنه يقع الخطأ في التنزيل يقع الخطأ في التأصيل و هذا أمر محسوس مشاهد يدركه كل طالب علم مارس الفقه و أصوله فكم من مسألة من المسائل الكلية اختلف أهل العلم فيها بحسب العلوم و الفهوم و مثل هذا لا يحتاج إلى تمثيل و خطأ أهل العلم في هذه المسائل إنما هو خطأ بسبب اتباع الظن الغالب فيظن الفقيه بحسب اجتهاده و يحكم عليها بما ظهر له ثم يخالفه آخر فيحكم بحكم يناقضه فمن أصاب الحق منهم فقد أصابه إما بجزم أو بغلبة ظن و من أخطأه أخطأه و لا شك بغلبة ظنه لا بجزمه لأنه لو جزم لوصل إلى الحق و من أخطأ الحق لا يقال بأنه جازم لأن الجزم هو إدراك الأمر على حقيقته و هذا لم يدركه.
ثم إن القطع بالحكم الكلي و هو العمل بشهادة الشاهدين لا يعني ترك الإجتهاد في تحقق العدالة في هؤلاء الشهود و إلا أصبح الحاكم من أهل النار كما في الحديث عن ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ اثْنَانِ فِى النَّارِ وَوَاحِدٌ فِى الْجَنَّةِ رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِى الْجَنَّةِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِى النَّارِ وَرَجُلٌ جَارَ فِى الْحُكْمِ فَهُوَ فِى النَّارِ».
و الحديث الذي ذكره الأخ بن تميم حجه عليه عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَىَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلاَ يَأْخُذْهَا» فقد يقضي القاضي في حكم و لا يكون هذا القضاء موافق للحق فيعذر القاضي لاجتهاده و استفراغ و سعه و لا يعذر من قضي له بحق أخيه لأنه يجزم بأن هذا الحكم خلاف الحق و القاضي إنما حكم بما ظهر له و غلب على ظنه و لا يعني عذر القاضي أنه لا يبحث عن صدق الشهود و عدالتهم بل يجب عليه ذلك و فإن قصر أو فرط أثم و إن اجتهد و جزم و وافق جزمه الحق أو غلب على ظنه صدقهم حكم بما غلب على ظنه.
ـ[عبد الرحمن بن طلاع المخلف]ــــــــ[30 - 06 - 05, 12:11 ص]ـ
و أما قول الأخ بن تميم (وكذلك ..
فإن الشريعة منعت القول على الله بالظن مطلقاً ..
فمنعتنا من أن نقول هذا حلال وهذا حرام بلا برهان من الله تعالى ..
لذلك لو رجعنا إلى كثير من الأئمة وجدناهم يقولون عن الحرام: نكره هذا ولا نحبه والاولى تركه خوفاً من أن يقولوا هذا حرام بلا يقين فيقعوا بما حذرهم الله تعالى منه ..
وكذلك كانوا يقولون في الحلال نحب هذا والأولى هذا ويعجبني كذا ..
¥