فالظاهرية وقفوا وقالوا نكتفي بما ظهر من النص والنصوص الأخرى باليقين ..
وأهل الرأي قالوا بالتأويل والصرف ونحوها مما هو ظن ..
فانظر في كل مسألة ترى القطع فيها أولاً على أنها من الله تعالى ودلالتها كذلك ثم يجتهد كل طرف في الزيادة على ذلك إما باليقين وإما بالظن ..
وهي طرائق ومناهج .. ).
أقول ذكرت ما نقله شيخ الإسلام من اتفاق أهل المعتبرين على العمل بالظاهر في الأحكام الشرعية و لم يقل أحد من أهل العلم بأنه عن ترجح أحد الظنون أو ترجح ظن معين عندهم و إن لم يكن هناك ظن مزاحم له لم يقل أحد من أهل العلم بأنه جازم على كل حال بما رجحه نعم قد يجزم بعضهم بما ثبت عنده و جزمه هذا مبني على ما بلغه علمه في هذه المسألة ثبوتا و دلالة و فهما و علما و قد لا يتحصل لغير هذا العالم هذه العلوم و الفهوم أو يتحصل له بعضها فيختلف الحكم باختلاف الفهم و العلم نقصا و زيادة
و أما الإثم فقد أجمع الصحابة و التابعين على أن المجتهد إذا استفرغ وسعه لا يأثم بل يؤجر على اجتهاده كما ثبت في الحديث الصحيح.
و أما الخلاف فهو واقع في الكليات كما يقع في المعينات و تتبع بسيط في كتاب الخلاف حتى المتقدمه كخلاف الصحابة و التابعين يجد أنه قد وقع خلاف بينهم في مسائل كلية و لم يتوقف أحد منهم في المختلف فيه و يتمسك بالمجمع عليه بل كل تكلم بما ظهر له لأنهم رضوان الله عليهم يعلمون بأن الخطأ كما أنه قد يقع من غيره يقع منه ثم يعلم بأنه يجب عليه الإجتهاد و استفراغ الوسع و يعلم بأنه متى ما حقق هذا الأمر رفع عنه الإثم و ثبت له أجر واحد و متى ما أصاب الحق حتى لو كان الحكم بظن راجح حاز الأجرين لذا لما تحقق هذا الأمر في نفوسهم لم يتركوا الكلام في الفقه و غيره و عمل الصحابة شاهد على بطلان هذا الأصل و أن العالم عليه أن يجتهد و يتكلم بالعلم خاصة في ما نزل على المسلمين و أن الخلاف ليس بمانع من البحث و الترجيح.
و هناك كثير من العبارات تريد تحرير كقول الأخ (قلنا وكذلك القول بالقطع واليقين فهو عمل بالثابت وترك المختلف فيه والمنهي عنه فلا محل للإنكار) هل هذه العبارة صحيحه بأن الظاهرية تمسكوا بالمقطوع و المتيقن و تركوا المختلف فيه و لا أريد أن أطيل في بيان الغلط في هذه العبارة و لكن أحيل الإخوة على كتاب المحلى لابن حزم لينظروا كيف صال بن حزم في مسائل شائكة مختلف فيها اختلافا بينا بين الصحابة و لم يتوقف عند المقطوع به و المتيقن.
و العبارة الأخرى (وأهل الرأي قالوا بالتأويل والصرف ونحوها مما هو ظن) هل المقصود بأهل الرأي ممن قال بالقياس أم المقصود به الأحناف و من أخذ برأيهم و على كل حال القول بأن أهل الرأي قالوا بالتأويل و الصرف عبارة فيها الكثير من التجني و الإجحاف فأهل العلم من أهل المذاهب الأصل عندهم التمسك بالكتاب و السنة لا التأويل و صرف ظاهر الأدلة من غير قرينة هذا الأصل لم يقل به أحد من أهل الإسلام حتى أهل البدع من أهل القبلة لم يصرفوا ما صرفوا من ظواهر النصوص من أجل التأويل المجرد و لكن تعارض عندهم ظاهر اللفظ مع أصول و قواعد قعدوها فالتزموا التأويل لمخالفة ظاهر اللفظ لقواعدهم و هذه المسألة عينها هي التي أدت ببعض المذاهب من تأويل بعض النصوص و إن كان التأويل يختلف قربه من الشرع و بعده بحسب قرب القواعد و الأصول من الشرع و بعدها عنه بل نفس الظاهرية الذين يشنعون على المخالفين قد وقعوا في نفي ما هو مقطوع من معاني الألفاظ بسبب أصول و قواعد باطلة عارضت عندهم النصوص بل تعدى هذا إلى الوقوع في تأويل نصوص مقطوع بمعناها كنفي بن حزم لحقائق اسماء الله تعالى و صفاته لأن الأسماء عنده أعلام محضه لا يثبت بها الصفات فالعليم عنده لا تدل على صفة العلم لأن الله تعالى ذكر الاسم و لم يذكر الصفة و لإثبات الصفة لا بد من دليل آخر و هذا المعنى يقطع كل عاقل منصف ببطلانه و لو علمنا بهذا الأصل في دين الله لتكلفنا من المشقة في فهم دين الله و لغة العرب بل و دنيانا ما لا نطيقه بل لكنا أضحوكة الأمم فكل لغات العالم تدل على أن الاسم كما أنه يدل على العلم فإن يدل على الحقيقة فلا يقول عاقل بأن تسمية الطبيب إنما تدل فقط على اسم الطبيب و لا تدل على أنه ممن يعمل في مجال التطبيب.
و غيرها من الأصول التي اعتمدها في كتبه ليس هنا مجال ذكرها مما جرأت أهل العلم الطعن فيه بل جاوز الحد بعضهم في عدم اعتبار أقواله في الخلاف.
أقول بأن القول بالأخذ بالمقطوع من العلم و ترك المختلف فيه مما يقطع ببطلانه بل هو قول مبتدع لم يقله أحد من السلف لا الصحابة و لا التابعين بل و لا أحد من أهل العلم ممن يعتد بقوله.
و القول بأن الظاهرية أخذوا بالمقطوع به و أن أقوالهم كلها مما هو منصوص عليه ثبوتا و دلالة قول باطل نقطع به و لا يختلف فيه عالم فإذا كان الخلاف ثابت قطعا بين الصحابة في الثبوت و الدلالة فمن باب أولى أن يكون ثابت لمن هو خلفهم و كلام الأخ بن تميم يدل على أن هذا مراده (فالظاهرية وقفوا وقالوا نكتفي بما ظهر من النص والنصوص الأخرى باليقين ..
وأهل الرأي قالوا بالتأويل والصرف ونحوها مما هو ظن ..
فانظر في كل مسألة ترى القطع فيها أولاً على أنها من الله تعالى ودلالتها كذلك ثم يجتهد كل طرف في الزيادة على ذلك إما باليقين وإما بالظن ... ) فدعوى القطع و اليقين لا تسلم لكل من ادعاها فكم من مدعي للقطع و القطع بخلاف قوله فهؤلاء أهل البدع قطعوا في أمر من المقطوع به بطلان قطعهم بل هذا بن حزم لا بد أنه كان يدعي القطع على أصل بن تميم بأن الاسماء أعلام محضه لا تدل على الصفات و مع ذلك خالفه في قطعه هذا بعض المعاصرين من الظاهرية فبأي قطع نأخذ بقطع المتقدمين من الظاهرية أم بقطع المعاصرين فالكلام في العلم يحتاج إلى أصول و قواعد و إنصاف و تجرد أما إطلاق الألفاظ من غير تحرير و تحقيق فكل يحسنه.
¥